للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا حادثا نشرحه.

ويعلم الذين قضوا بضع ليال في الفلوات أن عالما خفيا يهب من سباته ساعة ينام الإنسان في هذا الانعزال التام والسكون العميق، في هذه الساعة تستيقظ الطبيعة، فالينابيع تغني بصوتها العذب، وترسل المياه الراكدة بريق لألائها السماوي. وتأخذ الأشباح تروح وتجيء، وترتفع في الهواء أنغام خفية وأصوات كالحفيف، وكأن الأغصان أخذت تمتد والأعشاب تنمو. فالنهار يعطي الحياة للمخلوقات الحية، أما الليل فيعطيها للأشياء الميتة. وهذا مما يرعب الإنسان إذا لم يكن له به سابق عهد أو عادة. . ولهذا كانت الآنسة ترتجف أبداً من الخوف، وتلتصق بي كلما سمعت صوتا كأنها طفلة صغيرة.

وفي ذات مرة تعالت جلبة محزنة من المستنقع في الوادي وارتفعت إلينا تموجاتها مع الأثير. ثم رأينا شهابا جميلا يهوي فوق رأسينا من عل ويتجه نحو ذلك المستنقع كأن الضجة التي كرهنا سماعها تحمل معها بارقة خير. فسألتني ستيفانيت:

- ماذا جرى؟

- نفس دخلت الجنة يا سيدتي.

فرسمنا الصليب على صدرنا ثلاثا وبقيت هي تنظر إلى السماء بنفس مطمئنة، ثم قالت:

- أصحيح ما يقال عنكم معشر الرعاة أنكم سحرة؟

- لا يا سيدتي، إنما نحن اقرب هنا إلى النجوم من سكان السهل، ولذلك فنحن أكثر منهم علما بما يجري فيها.

ثم وضعت يدها على فؤادها وقالت:

- ما أكثر هذه النجوم وما أجملها! أنا في حياتي ما رأيت هذا المنظر. . . . هل تعرف أسماءها أيها الراعي؟

نعم أيتها الآنية. . . . انظري! فوق رأسينا تماما ترين (طريق سان جاك) (المجرة) الممتدة من فرنسا إلى إسبانيا، تلك الطريق التي اختطها (سان جاك دي غاليس) ليري الفاتح العظيم (شارلمان) سبيله عندما كان يحارب (العرب) وعلى مسافة منها ترين محفة الأرواح (بنات نعش الكبرى) بأقطابها الأربعة الساطعة. وعلى مقربة منها (الحيوانات الثلاثة). والنجم الصغير المقابل للثالثة هو (السائق)؛ وانظري من حولها هذه النجوم الهاوية، إنها

<<  <  ج:
ص:  >  >>