للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا من حيث لفظ الدليل وسياق الآيات الكريمة

وهنالك ما هو أدق وأحق بالاعتبار من حيث الحكمة الشرعية والفلسفة الإسلامية وشموخ مقامها، وبعد نظرها في أحكامها. وهو: أن من المعلوم أنه ما من حلال أبغض الى الله سبحانه وتعالى من الطلاق، ودين الإسلام كما تعلمون - جمعيّ اجتماعي - لا يرغب في أي نوع من أنواع الفرقة، سيما في العائلة والأسرة، وعلى الأخص في الزيجة، بعدما أفضى كل منهما إلى الآخر بما أفضى. فالشارع بحكمته العالية يريد تقليل وقوع الطلاق والفرقة، فكثر قيوده وشروطه، على القاعدة المعروفة من أن الشيء إذا كثرت قيودُه، عَزّ أو قلّ وجودُه، فاعتبر الشاهدين العدلين للضبط أولاً، ولحصول الأناة والتأخير ثانياً، وَعسى إلى أن يحضر الشاهدان، أو يحضر الزوجان أو أحدهما عندهما يحصل الندم ويعودان إلى الألفة، كما أشير إليه بقوله تعالى (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) وهذه حكمة عميقة في اعتبار الشاهدين، لا شك أنها ملحوظة للشارع الحكيم، مضافاً إلى الفوائد الأخر.

وهذا كله بعكس قضية الرجوع: فان الشارع يريد التعجيل به، ولعل للتأخير آفات، فلم يوجب في الرجعة أي شرط من الشروط. وتصح عندنا - معشر الإمامية - بكل ما دل عليها من قول أو فعل أو إشارة، ولا يشترط فيها صيغة خاصة، كما يشترط في الطلاق. كل ذلك تسهيلاً لوقوع هذا الأمر المحبوب للشارع الرحيم بعباده، والرغبة الأكيدة في ألفتهم وعدم تفرقهم. وكيف لا يكفي في الرجعة حتى الإشارة ولمسها ووضع يده عليها بقصد الرجوع، وهي - أي المطلقة الرجعية - عندنا، معشر الإمامية، لا تزال زوجةً إلى أن تخرج من العدة، ولذا ترثه ويرثها، وتغسله ويغسلها، وتجب عليه نفقتها، ولا يجوز أن يتزوج بأختها وبالخامسة، إلى غير ذلك من أحكام الزوجية

فهل في هذا كله مقنع لك في صحة ما ذهبت إليه الإمامية من عدم وجوب الإشهاد في الرجعة بخلاف الطلاق؟! فان استصوبته حمدنا الله وشكرناك، وإلا فأنا مستعد للنظر في ملاحظاتك وتلقيها بكل ارتياح، وما الغرض إلا إصابة الحقيقة، واتباع الحق أينما كان، ونبذ التقليد الأجوف، والعصبية العمياء، أعاذنا الله وإياك منها، وسدد خطواتنا عن الخطأ والخطيئات، إن شاء الله، ونسأله تعالى أن يوفقكم لأمثال هذه الآثار الخالدة، والأثريات

<<  <  ج:
ص:  >  >>