اليوم، لم يختلف فيها منهم اثنان، حتى أصبحت عندهم من الضروريات، كما اتفقوا على عدم وجوب الإشهاد في الرجعة، مع اتفاقهم على لزومه في الطلاق، بل الطلاق باطل عندهم بدونه
وقد ترجح عندك قول من يقول بوجوب الإشهاد فيهما معاً. فقلت في صفحة (١٢٠) ما نصه: (وذهبت الشيعة إلى وجوب الإشهاد في الطلاق وأنه ركن من أركانه، كما في كتاب شرائع الإسلام. . . ولم يوجبوه في الرجعة. والتفريق بينهما غريب ولا دليل عليه) انتهى
وفي كلامك هذا (أيدك الله) نظر أستمحيك السماح في بيانه، وهو أن من الغريب حسب قواعد الفن مطالبة النافي بالدليل والأصل معه! وإنما يحتاج المثبت إلى الدليل. ولعلك (ثبتك الله) تقول قد قام الدليل عليه، وهو ظاهر الآية، بناءً على ما ذكرته في صفحة (١١٨) حيث تقول: (والظاهر من سياق الآيتين أن قوله: (وأشهدوا) راجع إلى الطلاق وإلى الرجعة معاً) إلى آخر ما ذكرت، وكأنك (أنار الله برهانك) لم تمعن النظر هنا في الآيات الكريمة، كما هي عادتك من الإمعان في غير هذا المقام، وألا لما كان يخفى عليك أن السورة الشريفة مسوقة لبيان خصوص الطلاق وأحكامه، حتى إنها قد سميت بسورة الطلاق، وأبتدأ الكلام في صدرها بقوله تعالى:(إذا طلقتم النساء) ثم ذكر لزوم وقوع الطلاق في صدر العدة، أي لا يكون في ظهر المواقعة ولا في الحيض، ولزوم إحصاء العدة وعدم إخراجهن من البيوت، ثم استطرد إلى ذكر الرجعة في خلال بيان أحكام الطلاق، حيث قال عز شأنه:(فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) أي إذا أشرفن على الخروج من العدة فلكم إمساكهن بالرجعة أو تركهن على المفارقة، ثم عاد إلى تتمة أحكام الطلاق فقال:(وأشهدوا ذوي عدل منكم) أي في الطلاق الذي سيق الكلام كله لبيان أحكامه، ويستهجن عوده إلى الرجعة التي لم تذكر إلا تبعاً واستطراداً. ألا ترى لو قال القائل: إذا جاءك العالم وجب عليك احترامه وإكرامه وأن تستقبله، سواء جاء وحده أو مع خادمه أو رفيقه ويجب المشايعة وحسن الموادعة، فانك لا تفهم من هذا الكلام إلا وجوب المشايعة والموادعة للعالم، لا له ولخادمه ورفيقه، وإن تأخرا عنه. وهذا لعمري حسب قواعد العربية والذوق السليم جليٌّ واضح، لم يكن ليخفى عليك، وأنت خِرِّيتُ العربية، لولا الغفلة (والغفلات تعرض للأريب)