للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذلك لما صدني عن النظر، فأن حبي لذات الثوب الأرجواني ليس معناه أني عميت وأن عيني لا تستطيع أن ترى غيرها وأني فقدت القدرة على الإعجاب بالجمال في مظاهره المختلفة. ولكن المرأة أمرها غريب، وإني لأذكر أني كنت راكباً مع فتاة من صديقاتي - وكنت أنا السائق كما لا احتاج أن أقول - فرأيت فتاة جميلة واقفة على الرصيف فتمهلت لأنظر إليها، وإذا بصديقتي تقرص أذني فصرخت فقالت: (هذا جزاؤك) فسألتها: (ماذا صنعت؟. . بأي شيء أستحق أن تقطعي لي أذني؟؟. وكيف أستطيع أن أسمع صوتك الحلو بعد ذلك) فقالت (ابق اسمع صوت التي كنت تنظر إليها الآن) قلت (مالها؟. . ألا تعجبك؟. ألا ترينها جميلة؟) فعادت إلى القرص، وعدت إلى الصراخ، حتى كدت أستنجد بالمارة. وقد ساء رأي صاحبتي في بعد ذلك، وصارت كلما ركبت معي تشترط ألا أنظر لا يميناً ولا شمالاً، فأقول: (ولكن لماذا؟ ما الضرر من النظر والتلفت؟ ثم كيف أستطيع أن أثبت عيني في اتجاه واحد وقد خلق الله لي عينين تتحركان ولا تثبتان؟) فلا تجيب عن السؤال وإنما تروح تهددني وتتوعدني فأخاف فأن لها قرصاً حامياً وأنا جلدي رقيق. ولكني لا أفهم هذا التحكم من المرأة. وما أكثر ما قلت لإحداهن وقد أغضبها أن لي عيناً ترى وقلباً لا يسعه إلا أن يحس (يا ستي إن لك حديقة زهر. وفيها الفل والياسمين والورد الأحمر والأبيض والنرجس وما لا أدري أيضاً. . وأنتن يا نساء كالزهور. . فلماذا تريدين ألا تكون في حديقتي إلا حواء واحدة؟)

فتقول: (بالله دع هذه الفلسفة السخيفة. . . ثم إني أكره المكايدة)

فأؤكد لها أني لا أقصد إلى المكايدة، وأقول: (نعم أن حواء واحدة مصيبة. . . وثقي أن غلطة أبينا آدم هي أن جنته لم يكن فيها إلا هذه الحواء المفردة. . ولو كان فيها. . سواها. . عشر مثلاً أو عشرون. . لما خرج من الجنة)

فتثور بي وتذهب وتعدو ورائي فأضع ذيلي بين أسناني وألوذ بالفرا)

وما أشك في أن ذات الثوب الأرجواني أسخطها عليّ نظري إلى السمراء. وما تعنيني السمراء لو علمت. ولكنها المرأة لا تعرف إلا نفسها ولا ترضى عما تسميه (العين الزائغة) وهي تشعر بالمنافسة من كل امرأة مثلها، ولا تستطيع أن تفسر النظر إلى امرأة غيرها إلا بأنه تفضيل لهذه الأخرى عليها ولو كانت واثقة من حب بعلها أو رجلها. كنت مرة أتنزه

<<  <  ج:
ص:  >  >>