وانتفضت، فرميت ورقات كانت بيدي؛ وكنت جالساً بحيث أراها وتراني، ويظهر أن ما رأته من خروجي عن طوري المألوف أدهشها جداً، فقد رأيتها تهب وتطل، فِعْلَ من يريد أن يثبت ويتحقق. ومضيت أنا في ثورتي، فجعلت أروح وأجيء في الغرفة، وأقول لنفسي:
(لماذا تحرمُ قبل أن تعطي؟؟ لماذا تبدأ بالمنع ولا تبدأ بالجود؟؟ لماذا تؤثر السوء ولا تؤثر الخير؟ ما هذه الطباع؟ وماذا جنيت أنا؟ إني أراني وهبتها الشعور بحسنها حين أحببتها، ولو أنها لم يحببها أحدٌ لما وسعها أن تدرك أن لها حسناً يعشق وجمالاً يُحب. . . فشعورها بحسنها هو هبةُ وعطية مني، لأني أحببتها. . . فكيف تتيه عليّ وتتدلل، وتحاول أن تعذبني جزاء لي على مجهودي الذي استفادت هي منه ولم أستفد أنا شيئاً؟
أي يدٍ لها عليّ؟؟ أني أراها؟؟ فكل من شاء أن ينظر إلى شرفتها ساعة تكون فيها يستطيع أن يراها مثلي فلا فضل لها في ذلك يحسب عليّ. . ماذا غير ذلك؟ لا شيء. . انتهينا إذن!
. . وما دامت لا تختصني بشيء فلا حق لها فيما تتكلفه من حرماني. . . لو كانت لم تتكلف لما عبأت ولما أحسست أن في الأمر عمداً. . ولكنها عامدة ولست أنوي أن أشايعها على ظلمي. . إذن فأنا أنفر كما تنفر. . . وأحتجب كما تحتجب وليكن ما يكون!)
وبعد أيام عدت أقول لنفسي: (اسمع. . إنها ليست مثلك. أنت تستطيع أن تخرج، وتروح، وتجيء، وتتسلى وتتلهى، ولكنها مسكينة لا تملك ما تملك من الحرية ومن وسائل التعزي. . وما يدريك أنها ليست مضطرة إلى هذا الذي ثقل عليك وكرهته منها؟؟ ولا تنس أنها رقيقة القلب. . أليست قد رأت أنك تشكو ألماً في ذراعك فحدثتك نفسك أن قد بدا لك منها عطف كان له وقع حسن في نفسك
وقد توسطت وخير الأمور الوسط - كما يقولون - فأنا لا أتكلف الاحتجاب ولا أتعمد أو أتحرى أن أراها، وأدع هذا وذاك للمصادفة؛ وسأرى ما يكون. وأخوف ما أخافه أن أمل هذا التعب العقيم فيركبني عفريت العناد وأجازف