معهدكم، وأنا بهذا إنما أبغي العمل في معملكم على أية صورة وبغير أجر). وأدرك بستور أنه لابد من استبقاء حماسة الجماهير لصيادة المكروب، وأن رجل الشارع لا يفهم من العلم غير تلك الأحداث المهيجة والدرامات المثيرة، فأجاب متشنيكوف عن سؤاله:(أنا لا أقبلك تعمل في معملي فحسب، بل سيكون لك فيه معمل كامل موقوف عليك). وسافر متشنيكوف إلى أودسا، وفي طريقه التقى بكوخ فجَبَهه كوخ واستغلظ له، وأخذ يفكر ويخاير نفسه بين القبول في المعهد الفرنسي والتخلص من قوم لا يفتأون يصرخون يستعجلون النتائج، وبين البقاء في المعمل الروسي والإبقاء على المرتب الطيب الذي يتقاضاه منه. . . وقرر بعد التردد أن يبقى حيث هو من أودسا وواصل عمله فيها، ولكن حدث بعد قليل حَدثٌ لم يترك لنفسه خياراً. ذلك إن الفلاحين زادت شكواهم من القطعان التي تموت بالجمرة وعلت أصواتهم في طلب الألقحة، فأمر متشنيكوف الدكتور جمالية أن يحقن الشياه بلقاح الجمرة جملة واحدة. وذهب متشنيكوف وزوجته أُلجا إلى بيتهم الريفي الصيفي، وذات يوم جاءتهم فيه الرسالة التلغرافية الآتية من الدكتور جمالية:
قَتَل لقاح الجمرة آلافاً من الشياه
فلم تمض أشهر قليلة حتى كان متشنيكوف استقر في معهد بستور الجديد في باريس، وإلى جانبه أُلجا - تلك الزوجة الطيبة - التي كانت لا تُقصّر في عمل أي شيء لزوجها لأنه عبقري وعطوف عليها - قامت إلى جانبه تمسك له الحيوان وتغسل له الزجاجات، وهي لو تُركت لنفسها لفضّلت تصوير الزيت أو نحاتة الحجر - فَنَّين جميلين أقرب لمتعتها وأملأ لشهوتها. ومن تلك الساعة مشى الزوجان، يداً في يد، في طريق النصر من غلبة إلى غلبة، وقد انتثرت على جانبيه من أخطائهما ورود زادت طريقهما روعة وجمالاً