فأدرك أنهما خرجا إلى الخلاء. بعد خطوات سمع حفيف الريح في عيدان الذرة، فأيقن أنهما قربا من الحقول، وسأل وقلبه يرجف:
(أوصلنا بستان الشيخ حسين؟)
(قربنا. . . . . . . . .)
ولم يكن ألف هذه الطريق، وإن يكن يعرف أن هناك قناة صغيرة تمتد بين البستان وحقل الذرة، وعليهما أن يعبراها لينحدرا منها إلى جنوب القرية، ثم إلى حيهما. وكان منذ أن غادر البئر واقعاً تحت تأثير خواطر عاصفة، اشتعل لها رأسه، وجاش صدره؛ فكان يتخلف عنها قليلا ويجعلها تتقدمه خطوات. فهذه هي المرة الأولى التي ينفرد فيها مع امرأة في ظلام الليل وسكونه، على أن تخلفه عنها لم يخفف من حاله، بل على العكس من ذلك، كان يفسح المجال لوضوح رغباته وتركزها وأخذها السبيل عليه، فمضى وراءها والاضطراب يعصف بقلبه وصدره وكيانه، حتى وصلا القناة فدفع لها عصاه، ونزل وراءها في الماء، وغاصت أقدامهما في الوحل، وخرج ينفض رجليه في العشب الممتد على حافة الحقل. وأنزلت هي جرتها وانحنت على الماء تغسل رجليها، ثم انتصبت تصلح ثوبها، وهو واقف خلفها يفتح رئتيه وصدره لهواء المساء العليل، ويحاول أن ينحني عن رأسه عن الخواطر العاصفة التي ألهبت أليافه وهيمنت على كيانه