(قم أذن الفجر. . . فصوتي لا يطاوعني اليوم. . . أصابني البارحة برد شديد. . .)
وبارح المسجد قبل طلوع الشمس، وسار على الجسر حتى بلغ الحقول المجاورة. وكان قد نال منه التعب، وبلغ منه الجهد، فاستراح تحت شجرة من شجر السنط، وضربه هواء الصباح على إذنه فنام حتى القيلولة. وقام وقد حميت الشمس، وتوقدت الهاجرة، وانقلب الهواء راكداً خانقاً يلفح الوجوه بوهج السعير، واستوى على قدميه وأمسك بعصاه، واتجه إلى القرية، وكل شيء فيها ساكن وادع إلا الأطفال الذين لا يقيمون وزناً ولا يبالون بحر أو برد
(أحمد. . . سيد الأعمى!)
(صحيح؟. . .)
(والنبي. . .)
وتجمع الصبية على الجسر، ووقفوا صامتين وعلى شفاههم بسمات خفيفة، حتى جاوزهم الأعمى، وهو يسير سيره المألوف. ولما بعد عنهم قليلاً، رماه أصغرهم بحصاة استقرت عند صدغه. ما هذا؟ لقد أصابته للمرة الأولى أول رمية اصغر صبي! ما الذي جرى؟ وانهالوا عليه بعد ذلك يداً واحدة حتى مطروه وابلاً من الحصى والحجارة. فاستدار لهم الرجل وقد تميز غيظاً، ولوح بعصاه يهدد ويتوعد، فتفرقوا عنه وأستأنف سيره بعد برهة قليلة، واستأنفوا هم بدورهم حصاهم وحجارتهم. فما أقل الصبر عند الأطفال! وأصابه حجر في الجانب الأيسر من صدغه فشجه وسال الدم، وآلمه الجرح جداً حتى خرج به عن رشده، فدار على عقبيه وجرى وراء الصبية يضرب بعصاه يميناً وشمالاً، ولا يبالي أين تقع وتصيب، وهو مخبول تماماً، حتى أصابت ضربة قوية صبياً في رأسه فجرحته جرحاً بليغاً، ونزا دمه الأحمر فلطخ وجهه؛ وكان الكلب رابضاً على الجسر في ظل جدار لمنزل خرب، وعينه إلى المعركة التي حميت واشتدت، فقام ينفض جسمه نفض الليث، وتوثب وثبات جامحة، ثم دار دورات سريعة يقذف في خلالها الهواء بغبار رجليه، ثم انقض