زحف الأعمى إلى المسجد قبل الفجر، وهو متخاذل الجسم متسعر الجمجمة. وكانت قد ساورته في الليلة التي خلت حمى شديدة تصبب لها عرق يملأ القرب؛ وبات يتقلب على مثل الشوك ويود من فرط الحمى المتأججة في جسمه من يقذف به إلى اليم. بيد أنه تحامل على نفسه لما لاح النور ومشى إلى المسجد متوكئا على عصاه، فما من الأذان بد. أجل ما من الأذان بد! كيف يغفل عن أذان الفجر!
وصعد إلى سطح المسجد ووقف ناصباً قامته ماداً عنقه، ويده على الساعة يتحسس بها العقرب، حتى حان وقت الفجر فوضع يده عند أذنه وانطلق. . .!! ولكن ما هذا؟ ما الذي جرى؟ لقد اختنق صوته واحتبس، وأصبحت الحروف تخرج من حنجرته مصفرة عاوية عواء الذئب. ما الذي حدث؟ ما الذي جرى؟ حاول مرة ثانية فأخفق، وتمهل لحظة؛ وحاول مرة ثالثة، فأخفق أيضاً؛ وهبط إلى صحن المسجد، وهو يهتز اهتزاز القصبة الجوفاء في