آلاف جندي بعتادهم وآلاتهم لا يصنعون شيئاً إلا الاستفزاز والتحدي وإثبات أنهم غاصبون، ولكن ما أنت قائل في عشرة آلاف مكان كهذا المسرح براقصاته ومومساته وخموره ورواياته وبهؤلاء الرجال المخنثين الهزليين الرقعاء الذين هم وحدهم معاهدة سياسية ناجحة بيننا وبين شباب الأمة. . .؟
قال ضابط اليمين: نعم إن فن الاحتلال فن عسكري في الأول ولكنه فن أخلاقي في الآخر؛ ولهذا يجب تعيين نقطة اتجاه للشباب تكون مضيئة لامعة جذابة مغرية ولكنها في ذات الوقت محرقة أيضاً، وهذه هي صناعة إهلاك الشباب بالضوء الجميل، وما على السياسي الحاذق في الشرق إلا أن يحمي الرذيلة، فإن الرذيلة ستعرف له صنيعه وتحميه. . . فتكلم ضابط اليسار، ولكن صوته ذهب في عشرين صوتاً من رجال المسرح ونسائه يصيحون جميعاً:(يا حِلوة يا خفَّافي يا مجننَّة الشبان. . .)
ولما ألممت بحوار الضباط الثلاثة قلت لصاحبي: أستأذن لي عليهم أكلمهم. ففعل وعرفني إليهم وترجم لهم مقالة (يا شباب العرب) وكان يحملها. فكأنما رماهم منها بالجيش والأسطول.
ثم قلت لكبيرهم: لست أنكر أن الإنجليزي لو دخل جهنم لدخلها إنجليزيا. . ولا أجحد أن له في الحياة مثل هداية الحيوان لأنه رجل عملي دليل منفعته أنها منفعته وحَسْبُ، ثم لا دليل غير هذا ولا يقبل إلا هذا. فإذا قال الشرقي (حقَي) وقال الإنجليزي (منفعتي) بطلت كل الأدلة، ورأى الشرقي أنه مع الإنجليزي كالذي يحاول أن يقنع الذئب بقانون الفضيلة والرحمة
وقد عرفنا أن في السياسة عجائب منها ما يشبه أن يلقي إنسان إنسانا فيقول له: يا سيدي العزيز، بكل احترام أرجو أن تتلقى مني هذه الصفعة. . . . وفي السياسة مواعيد عجيبة: منها ما يشبه غرس شجرة للفقراء والمساكين والتوكيد لهم بالإيمان أنها ستثمر رُغفاناً مخبوزة. . . . ثم بعد ذلك تطعَّم فتثمر الرغفان المخبوزة حشوُها اللحم والاِدام
وفي السياسة محاربة المساجد بالمراقص، ومحاربة الزوجات بالمومسات، ومحاربة العقائد بأساتذة حرية الفكر، ومحاربة فنون القوة بفنون اللذة. ولكن لو فهم الشباب أن أماكن اللهو في كل معانيها ليست إلا غدراً بالوطن في كل معانيه! ولو عرف الشباب أن محاربة اللهو