وميَّزت بين أثرين من آثار الأرض في أهلها: أحدهما في المصري السَّمحْ الوادع الألوف الحي الذي هو كَرمُ الطبيعة، والآخر في الإنجليزي العسر المغامر النَّفور الملحّ على الدنيا كأنه تطفّل الطبيعة. . . .
وألقى ابن العم الذي كان معي سَمعه إلى هؤلاء الضباط وهم من فلاسفة الرأي على ما يظهر من حديثهم، ثم نقل إلي عنهم، فقال كبيرهم: لقد فرغت من بحثي الذي وضعته في فلسفة خمول الشرقيين أفضيتُ منه إلى حقائق عجيبة أظهرها وأخفاها معاً أن أُمةً من هذه الأمم لا يُمكَّن للأجنبي فيها ولا تثقل وطأتهُ عليهم ولا يطول ثواؤهُ في أرضهم ولا يحتلها من يطمع فيها، ما لم يكن سادتها وأمراؤها وكبراؤها كأنهم فيها دولة محتلة
وهؤلاء الكبراء هم آفة الشرق؛ فمن أعظم واجباتنا أن نزيد في تعظيمهم، وأن نمد لهم في المال والجاه، ونبسط لهم اليمين والشمال، ونوهمهم أن عظمتهم هكذا ولدت فيهم وهكذا ولدوا بها من أمهاتهم كما ولدوا بأيديهم وأرجلهم. . . وخاصة عظماء رجال الأديان المفتونين بالدنيا؛ فإننا نصنع بغرور الجميع وسخافاتهم وحرصهم وطمعهم أشياء اجتماعية ذات خطر لا يصنع لنا مثلها إلا الشياطين. ومن لنا بالحكم على الشياطين؟ وهذا ما تنبه له غاندي ذلك المهزول الهندي الذي تُقوَّم دنياه بأربعة شلنات، ولا يزن أكثر من بضعة أرطال من الجلد والعظم، ولا بطش عنده ولا قوة فيه، وهو مع ذلك جبار سماوي في يده البرق والرعد يُرى ويُسمع في أرجاء الدنيا
قال ضابط اليمين: وبصناعة الكبراء هذه الصناعة يكون رجلُ الشعب من هؤلاء الشرقيين رجل تقليد بالطبيعة، ورجل ذل بالحالة، ورجل خضوع بالجملة؛ فليس في نفسه أنه سيد نفسه ولا سيدُ غيره، بل أكبر معانيه أن غيره سيد عليه فيكون معه دائماً خيال استعباده
وتكلم ضابط اليسار: ولكن المترجم لم يميز أقواله، لأن ثلاث عشر امرأة كنَّ يصرخن في الرواية الهزلية بلحن طويل يقلن في أوله:(عاوزين رجّالة تدلَّعْنا. . . .) وكانت الموسيقى تصرخ معهن وتولول كأنها هي أيضاً امرأة محرومة. . .
ثم أرهف المترجم أذنه فقال كبيرهم: إن لهؤلاء الشرقيين ست حواس: الخمس المعروفة وحاسة الخمول الذي خدعتهم عنه الطبيعة البليدة فسموه الترف والهزل واللهو، والأمة الأوروبية التي تحتل بلاداً شرقية تجد فيها لصغائر الحياة جيشاً أقوى من جيشها. فعشرة