سري أن يبيض وجهي، فان سواده الحالي كاف جداً؛ وشرعت أعمل؛ ولكن هل تركوني أعمل كما ينبغي أن يفعلوا لأكسب رضاهم بعرق جبيني؟ كلا. . . فقد أحاطوا بالسلم وجعلوا يصدرون إليّ أوامر غير معقولة. فقلت لنفسي:(إن جدالهم عبث، فدعهم في جهلهم واتركهم ولا تجبهم فأنهم يحبون الكلام. وماذا على أن يثرثروا. .) ولم أجعل بالي إليهم، ولم أرد عليهم، ورجوت أن يشغلوا بالحديث والثرثرة عما عدا ذلك. ولكنهم لما يئسوا من إصغائي لهم جعلوا يهزون السلم لألتفت، فحدث ما كان لا بد أن يحدث، وما كان طفل صغير يستطيع أن يتوقعه؛ ذلك أني اضطربت وأنا على السلم، وكنت أهم بدق مسمار، فوقعت المطرقة على أصابعي لا على رأس المسمار كما كان ينبغي أن تفعل لو كان لها عقل! فصرخت. . وهل أنا حجر؟؟ ثم ما أشعر إلا والسلم يهوى بي إلى الأرض. . . وقد كانت أيديهم عليه، وكان في وسعهم أن يمنعوا سقوطي وسقوط السلم معي، ولكني دققت أصابعي فيجب أن يضحكوا!! نعم ضحكوا، بل قهقهوا، بدلاً من أن يأسفوا أو يقلقوا عليّ، أو يحزنوا لما أصابني في سبيلهم، فتركوا السلم يفعل بي ما يشاء. . . وقد أسمعتهم رأيي الصريح فيهم وفي هذا الكفران لنعمتي، والجحود لفضلي، وفي تعريضي للمضرات، وفي أنهم إذا حاق بي مكروه في سبيلهم ضحكوا وسروا وفرحوا جداً. . . . ثم تركتهم ومضيت أظلع - فوق ظلعي - إلى النافذة، وكنت أفرك أصابعي لأسويها وأرد إليها استدارتها فقد عجنتها المطرقة، ولألطف الألم أيضاً فإني لست بحجر كما أسلفت، وإذا بذات الثوب الأرجواني واقفة في شرفتها تضحك كما يضحكون!! فنظرت إليها آسفاً وقلتُ - كما قال يوليوس قيصر حينما طعنه بروتس -: (وأنت أيضاً؟؟) ولولا أن وقع المطرقة على أصابعي لم يفقدني حبي للحياة ولم يضعف أرادتها في نفسي لتمثلت بقول القائل: (فيا موت زر إن الحياة ذميمة) ولكن الحياة ليست ذميمة على الرغم من المسامير العتيقة والمطارق الطائشة التي لا عقل لها في رأسها الناشف والأهل الجاحدين والحبيبة التي يسرها أن تفرم أصابعك وتلتوي ساقك، بل هي جميلة - أعني الحياة ومرضية على كل حال وحميدة كيفما كانت - بل أعني الحبيبة أيضاً وإن كانت تسخطني ولا ترضيني، ولا أدري ما لذتها التي تستفيدها من هذه المكابدة؟؟ والله إن النساء أمرهن عجيب!! هذه ذات الثوب الأرجواني تفتح النافذة وتنظر ثم توليني جنبها، وما شبعت من وجهها، ثم تدير لي ظهرها ثم تهز