الحقيقي مقاومة الحركات الشعبية والدستورية؛ وقد كانت أوربا طوال هذا القرن كله مسرحاً لكثير من هذه الحركات التي ترمي إلى الحد من طغيان الحكم المطلق ومساوئه، وتنمية الحقوق العامة للفرد سواء في الدولة أو المجتمع
إن مجرى السياسة الدولية الحالية يفصح بذاته عن مظاهر تلك المعركة الكبرى التي يسير هذان المعسكران إلى خوضها؛ فإنكلترا وفرنسا تعملان من ناحية على مؤازرة عصبة الأمم، وإقالتها من عثرتها السحيقة في المسألة الحبشية، ومن ورائهما السوفييت ودول أوربا الصغرى كلها تؤيد هذه الحركة، لأن مبدأ السلامة المشتركة الذي أريد أن يكون دستور عصبة الأمم ضماناً لتحقيقه، قد صار بعد ظفر الفاشستية المعتدية بالاستيلاء على الحبشة - وهي من أعضاء العصبة - عقيماً لا أثر له من الوجهة الدولية؛ والدول الصغرى أضحت تخشى على مصايرها بعد انهيار هذا الضمان المشترك الذي كانت تعتمد عليه. ونرى من جهة أخرى إيطاليا وألمانيا تسخران من عصبة الأمم، ولا تدخران وسعاً في مناوأتها وعرقلة أعمالها لأن توطيد السلامة المشتركة وحريات الأمم وحقوقها إذا تحقق بعمل دولي قوي من جانب الدول الديموقراطية، فانه يقف سداً في وجه أطماعهما في التوسع والاستعمار، ويؤدي إلى ضعف النظم الداخلية التي تغذي هذه النزعة الخطرة على حقوق الأمم وحرياتها
والخلاصة أنه حيثما تأملنا في نواحي السياسة الدولية ألفينا مظاهر المعركة الحاسمة التي يوشك أن تخوضها الديموقراطية. والديموقراطية تلتزم خطة الدفاع لأنها بطبيعتها أقل ميلاً إلى الحرب، ولأن الدول التي تمثلها، هي فريق الدولة الراضية المستأثرة بالسيادة الاستعمارية الواسعة والموارد الغنية؛ ولكنها ستضطر إلى الدفاع عن نفسها إذا هوجمت، وعندئذ تقع معركة الفصل في مصاير أوربا الجغرافية والدستورية، وتقع معركة الفصل في مصاير المدنية، فأما أن تفوز الديموقراطية فتفوز بذلك المدنية المؤسسة على احترام الحقوق والحريات البشرية، وإما أن تفوز مبادئ القوة الهمجية التي تنادي بها الفاشستية والهتلرية، وعندئذ تنهار نظم الحضارة المستنيرة وترجع أوربا إلى نظم العصور الوسطى
ولكن الديموقراطية التي صمدت لهذه القوى الهمجية منذ القرن التاسع عشر تستطيع بلا مراء أن تدافع عن نفسها ومن ورائها الرأي المستنير في العالم كله