للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يراهم جيافري قد أعلوا من شأن المحاماة مثلما أعلى من شأنها هنري روبير. . .

وفي الحق أن هنري روبير قد بلغ ذلك الأوج لظروف خاصة؛ فهو قد ظل ربع قرن كامل محامي فرنسا الأول، حتى ليكاد المرء يخاله قد وصف نفسه عندما وصف فيكتور هوجو بأنه استوى على عرش الأدب نصف قرن كأنه نصف إله؛ وفرنسا أمة محامين تحكمها حكومة محامين. وكان هنري روبير (نقيب الحرب) كما كانوا يقولون إذ ظل نقيباً لمدة أربع سنوات دون أن يعاد الانتخاب؛ فالمحامون كانوا جميعاً في الخنادق، ولم يكن لذلك بد من تأجيل الانتخابات؛ وبذلك اقترن اسمه بالنظام القضائي طيلة أيام المحنة. وكان يلقي في تأبين المحامين الذين تفقدهم فرنسا كلمات خالدة تخلب الألباب. وكان يمثل المحاماة في كل معترك، ويحمل رداءها في كل حفل. وهكذا حمل اسمها ولواءها عند الكافة. فلما خمد لهيب جهنم لم تخب تلك الشهوة اللامعة فارتفعت بصاحبها من مستوى الذين يموتون إلى مستوى الذين لا يموتون في سنة ١٩٢٣ خلفاً لريبو. وكانت آخر كلمة له في المجمع تأبين الفقيد الجليل جاك بانفيل؛ حتى إذا تفرغ للتأليف من سنة ١٩٢٨ أخذ يقرؤه عالم الأدباء بعد أن كان يقرأ عنه، وبعد أن كان محامياً عن الأفراد أصبح محامياً عن المحاماة؛ وبعد أن كان اسمه يذكر بمناسبات أصبح اسمه يدوي في المسامع باستمرار

وظل هنري روبير طول أيامه عزوفاً عن السياسة معتزاً بالمحاماة، فلم يغب باسمه ولا بجسمه عن قصر بوربون

إلى تلك الملابسات التي أحاطت بالرجل كان الرجل نفسه كنزاً زاخراً حافلاً بالكفايات، والكفايات في أمة كفرنسا وفي وسط كالمحاماة يندر أن تضيع

هذه الشخصية الخالدة يجب أن ندرسها في مصر، ولو في عجالة وبإيجاز. ولعلي بهذا البحث أشق الطريق للأدب المرجو الذي أنادي به من عشر سنين: أدب المحاماة

ولد هنري روبير في ٤ سبتمبر سنة ١٨٦٣، وفي ٢٩ أكتوبر سنة ١٨٨٥ حلف اليمين لينتظم في سلك المحامين. وفي يوليو سنة ١٨٨٧ انتخب سكرتيراً لمؤتمر المحامين وانتخب معه اثنان آخران يكفي أن تعرف اسميهما لتدرك مقدار ما يتضامن الماضي مع المستقبل، فأولهما الأستاذ واتين الذي يتولى اليوم توزيع العدالة وشرع الأحكام في كرسيه في رياسة دائرة محكمة النقض؛ وأما ثانيهما فانه فرنان لابوري: وما أدراك ما لابوري؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>