للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لسان الدفاع عن فايان الذي ألقى القنبلة الأولى على مجلس النواب، ذلك الدفاع الذي لا نستطيع بعد قراءته إلا أن نتساءل مع هنري روبير: (كيف لم يبرئوا المتهم؟) ولسان الدفاع عن أميل زولا؛ الدفاع الذي أفقده أمواله وعملاءه وأكسبه الفخار والشرف: والذي نقل إلى الأجيال أروع كلمة قالها محام في الذب عن حياض المحاماة؛ فعندما هوت من فم النائب العام - وهو جالس على كرسيه بجوار المحكمة في أعلى القاعة - كلمة جارحة بالنسبة للابوري صرخ صرخته الداوية في وجه النائب: (إن الشتائم التي تساقطها من كرسيك الرفيع لن تستطيع - مهما كان كرسيك عالياً - أن ترقى إلى المنصة التي يترافع منها الدفاع)

ولم يكد هنري روبير يستمرئ حلاوة ظفره في الانتخاب حتى اختاره النقيب درييه سكرتيراً له وولاه أعمال مكتبه في أول أكتوبر سنة ١٨٨٧

وقضى السكرتير الجديد بمكتب النقيب سنتين حتى قبض الله إليه النقيب فلم تبرح ذاكرته ذكراه حتى قضى هو الآخر فتراه يهدي إليه بعد أربعين عاماً كتابه (المحامي)، فتراه يختصه بأروع الصفحات في بعض مؤلفاته؛ فلقد كان درييه أباً يخلص الحب، ولم يكن أستاذاً فحسب؛ كان يفتح صدره لسكرتيره، وكان يفتح أمامه أيضاً أبواب داره. وفي نوفمبر سنة ١٨٨٨ رحل النقيب والسكرتير للمرافعة في قضية القتل التي قارفها تلميذ بول بورجيه وصديقه كاميج والتي أوحت لعميد الأكاديمية المتوفى (بورجيه) أروع مؤلفاته وهو كتاب (التلميذ)، فلقد قتل كامييج عشيقته الفاضلة مدام جريل بعد أن تعاهدا على الانتحار فأصابها ثم أخطاء نفسه؛ فترافع درييه ومن ورائه هنري روبير ففتح لنفسه طريق الخلود

وفي ذات ليلة انتقلت هيأة الدفاع كاملة! على ضوء الشموع لا إلى المحكمة ولكن إلى المقهى، ولا لتطلع على المستندات ولكن لتطلع على رقص (أولاد نايل)، فهمس درييه في أذن سكرتيره (يا صديقي ماذا يقول مجلس النقابة إذا رآنا هنا؟) فأجابه زعيم الارتجال (هو بلا شك يحسدك يا سيدي النقيب!)

وأخذ هنري روبير يمشي قدماً في عالم المحاماة، وكانت الحياة رخية في أعقاب حرب السبعين إلى فاتحة القرن الحالي، فلم يكن يخشى على الكفايات الممتازة من منافسة الجشع والخسة والأساليب الدنسة التي تخلقها ظروف الحياة العصيبة، فتهيأت للمحامي الناشئ

<<  <  ج:
ص:  >  >>