للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قضايا هائلة ظهر فيها هائلاً أيضاً، فترافع عن جبريل بومبار في سنة ١٨٩٠ ليستل رأسها من تحت المشنقة، وعن واشيه المتهم بقتل أبيه ليظفر لدولمن معه ببراءة خالصة وفي سنة ١٨٩٨ ترافع عن الطبيب لايورت مرافعته الخالدة. وفي سنة ١٩٠٢ ترافع عن مدام همبير ضد الصيرفي قطاوي واختتمها بتلك الكلمة التي اختتم بها الأستاذ سابا حبشي مرافعته القيمة في قضية نزاهة الحكم (. . . وستثبتون ببراءة مدام همبير أنكم تصدرون أحكاماً ولا تؤدون خدمات) وفي سنة ١٩٠٤ ترافع عن المهندس بيير في مقتل كاديو، وفي سنة ١٩٠٨ في مقتل ريمي الخ الخ. . وفي سنة ١٩٢٥ ترافع عن بوربووش وفي سنة ١٩٢٩ ترافع عن الجنرال ميشيل فنال له ما عجز عن نيله أستاذ الجيل (لاشو) في محاكمة المارشال بازان عن موقفه في حرب السبعين، ثم عن الحسناء البولونية فالنتين أو متسكا، ثم عن القسيس هيجي، ويومئذ اختتم مرافعته أمام محكمة جنايات السين بما ختم به عمله القضائي الخالد أمام تلك المحكمة قائلاً: (. . أيها الأب. . صح معي وبأعلى صوتك: فلتحي فرنسا.)

فما هي إذن تلك الكفايات التي رفعت صاحبنا وصاحبها إلى تلك الذروة؟ الجواب عندي يتلخص في كلمة واحدة هي: أنه كان يفهم قضاياه كما كان يفهم عقلية القضاة؛ وهذا هو الذي جعله بحق أحدث القدماء وأقدم المحدثين. وبعبارة واضحة هذا هو الذي جعله مترافعاً عظيماً في أواخر قرن البخار، مترافعاً عظيماً في أوائل قرن اللاسلكي؛ بل بعبارة أوضح هذا هو الذي جعله يكيف المرافعات (التقليدية) التي كانت آية البيان في أعقاب الحرب الأولى، أعني حرب السبعين بما يستسيغه القضاة بعد الحرب الثانية في سنة ١٩٢٠: هؤلاء القضاة الذين يضعون الساعة أمام عيونهم فان لم يضعوها أمامهم تصوروها كائنة في رؤوسهم. . . تدق باستمرار. . . .!

نحن الآن في المحكمة، وهذا هو النائب العام يترافع؛ وذلك محام هادئ يكاد ينام؛ لكنه نهض الآن، رفيع القامة، رفيع المقام، يتكلم في سرعة غريبة كأنه يخشى أن يُدفع ضده بفوات الميعاد! إنه يتكلم كأنه يتحدث؛ وها قد مضت خمس دقائق دون أن يظهر لك أنه محام كبير، لكنه قد أوغل في صميم الموضوع فوراً، وحميت الوقدة واندلع لهيب النار، فهو يضرب يميناً ويضرب شمالاً وبقسوة وبصوت محترم، والحجج تنساق متدافعة معجلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>