إلى أسماع المحلفين فيعجبون لتقديم هذا المتهم البريء! وفي عشرين دقيقة أو ثلاثين!! يبدو لهم أن النائب المترافع كان يسيء استعمال وقتهم عدو ساعات في مرافعاته ضد رجل طاهر كالطهر، مظلوم كالمسيح
تلك كانت صورة هنري روبير وهو يترافع كما حكى لنا سامعوه ومؤرخوه وكما يظهر لنا من كتاباته
حدثنا هنري روبير عن رجل من أرباب القضايا دخل القاعة فوجد محامياً يترافع، فتساءل من الأستاذ؟ فقيل له إنه الأستاذ (آنتل) قال: كيف هذا؟ إنه يتحدث في بساطة مجردة! لا يمكن أن يكون هذا هو الأستاذ آنتل البعيد الصيت!
فإذا رجعت إلى كتاب الأستاذ الجداوي المسمى (مرافعات) وجدت أن الأستاذ الجداوي هو ذلك الرجل الذي دخل القاعة، وأن المحامي الذي تساءل عنه وتلقى الجواب بدهشة وبإعجاب لم يكن الأستاذ آنتل بالطبع ولكنه كان الأستاذ هنري روبير.!
وفي مقال بعث به إلى فقرأه الأحياء في ٢١ مايو الماضي بعد أن كان هو قد سقط من سجل الأحياء!. . في ذلك المقال المعنون:(فتحت الجلسة) محض هنري روبير المحامين النصح أن يقرءوا مرافعات (والدك روسو) ليتعلموا فن (البساطة والسهولة والدقة). وفي كتاب (المحامي) يهيب بالمحامي أن يتذكر أنه يقف أمام القضاء (ليقنع لا ليلمع) وأن القرن السادس عشر قد حمل إلينا وديعة من أجيال الفصاحة القضائية الأولى هي أن تترافع (باختصار وبلباقة وبإخلاص)؛ وعلى ذلك تجد مؤلفاته كمرافعاته؛ فهو يبدأ مرافعاته لينتهي منها بسرعة وحرارة، وأنت تبدأ قراءة كتبه فلا تستطيع أن تدع الكتاب حتى تصل إلى خاتمته؛ وهذا كتاب قضايا التاريخ الكبرى يعرض للناس أفظع ما اجترح الضمير الإنساني من أوزار وحيل وخبائث، وهذه مرافعته الفنية عن الدكتور لابورت، كل تلك الأعمال يبسطها روبير فتروعك بسهولة عبارتها وسحر دلالتها حتى لكأنها دروس تلقى على التلاميذ. .!
ذلك لأنه كان يفهم قضاياه فيعرضها من حيث يجب أن تعرض؛ وما دام يفهمها فهو - بأسلوبه - فمين أن يُفهمها؛ ومن المسلم به أن الذي لا يفهم لا يستطيع أن يفهم، وأن تبسيط الأشياء أصعب من تعقيدها، وأن الغموض في العبارة هو غالباً أثر الغموض في التفكير