ويمتاز هنري روبير من رجال الدفاع في العالم طرا بالسرعة المتناهية في الإلقاء، وله من جراء هذه السرعة حادثة ذكرها لنا في مقال (كانديد)، إذ كان يترافع عن قاتل عشيقته فقال وهو يطير في أجواء الكلام (. . . فعقد العزم على أن يقتل نفسه ثم يقتلها فوراً. .) ولم ينتبه أحد سواه إلى ما في هذا الكلام من استحالة لأن الجمهور والمحلفين كانوا يجرون معه إلى الغاية كالزورق الذي يحمله التيار
ولذلك الإسراع تجده ينتزع المتهم من براثن النائب العام بعد ١٧ دقيقة فقط كما شهدت المحامية أوديت سيمون أو (بعد عشرين دقيقة لا أكثر ولا أقل) كما تعهد هو للمحلفين وهو يستهل الدفاع في قضية بوبوروش عندما قتل الرجل الذي أخبره أن امرأته تخونه. ومن الغريب أن يقولها للمحلفين بعد أن قال ساخراً (. . ساعتان كاملتان، واتهامان متضافران، من المدعي المدني ومن النائب العام!) ثم يختتم دفاعه وهو يناجيهم (. . . إنني أرجو أن تبرئوا بوبوروش حتى إذا عدتم إلى مساكنكم في المساء ألقيتم على زوجاتكم وبناتكم نظرات كلها اطمئنان). وفي ٢٨ يونيو سنة ١٩١٣ كتب الأستاذ (فرنان بايان) - قبل أن يصبح نقيباً، ومؤرخاً لبوانكاريه - كتب في الفيجارو دراسة لهنري روبير نشرها في كتابه وعلل هذه السرعة بأن الرجل يخشى أن يضيع أثر كلامه في المحلفين، فهو ينتهي منهم بسرعة ليتركهم تحت أثقال حججه وبراهينه. وعندي أن العلة في ذلك كانت صفاء عقل هنري روبير وقدرته على الارتجال، ذلك الارتجال الذي قال هو عنه كما سيجيء بعد: إنه نتيجة ترديد الكلام قبل المرافعة، حتى كان يسمي نفسه (آلة كلام)، فهو كان يبدأ لينتهي؛ أفكار واضحة وعبارات حاضرة؛ كان يفتتح المعركة لينتهي منها بأسرع ما يستطيع؛ والنصر الحاسم هو غالباً النصر السريع. ثم - وهذه مسألة أساسية - كان هنري روبير عدوا للتصويرات البيانية ولحشد الأمثال والسوابق، فهو كان مقيداً دائماً بموضوعه، لا يرسم الصور، ولا يلقي الحكم، ولا يتفيهق بالألفاظ، ولا يتطلب الشهرة، لأنها قد دانت من زمان؛ فهو إذن يلقي الحجج واحدة بعد أخرى كالفيلق في آثار الفيلق، وكالانتصار في أعقاب الانتصار؛ وهو إذن كان يستغني عن أربعين دليلاً بأدلة أربعة لها قوة الأربعمائة ووضوح الدليل الفرد
كان هنري روبير يرتجل كما قلنا، لكنه يشرح ارتجاله حيث يقول (إنني لا أفكر في الكلام