حين ألقيه) ثم يقول (أنا لا أحضر مرافعاتي بالكتابة؛ وإنما أترافع بيني وبين نفسي على انفراد وبلا صوت عال؛ لا أتكلم، وإنما تجري العبارات في مخيلتي وأنا أمشي أو وأنا في عربتي، وفي المساء تتوارد لدي خواطر ذات بال (وهذه العبارة تشرح للقارئ حالة خاصة كان يشهدها سامعوه عندما يفتتح الجلسة في قضية خطيرة، إذ كانت تبدو عليه علامات الانفعال. وقديماً كان (تورين العظيم) لا يدخل المعركة إلا وهو يرتعد، فكان ينادي جسمه (ارتعد. . تزايل. . إنك لا تدري إلى أين أقذف بك. . .) وكان تورين أعظم القواد في تاريخ فرنسا عند نابليون
أما خطة هنري روبير في مرافعاته فقد تعلمها على الرجل الذي كسب ستين معركة؛ وهي أن الهجوم خير وسيلة للدفاع. فإذا شرع في مرافعته اتجه في شتى الجهات يبحث عن متهم غير موكله ليلقي عليه أفدح أثقال الاتهام؛ فإذا لم يكن هناك مجرم آخر فلا شك أن هناك أباً لم يعلم ولده فهوى به - هو - إلى أحضان الجريمة؛ أو أن هناك تحريضاً أو استفزازاً وإلا فاستسلاماً صدر من المجني عليه؛ أو أن الهيئة الاجتماعية قد قصرت أو أساءت إلى غير ذلك من أساليب الدفاع، وإذا شئت فمن أساليب الاتهام. والذين سمعوا وهيب دوس يترافع في قضية نزاهة الحكم أو في مقتل السردار أو في قضية الأطباء - بخاصة - يدركون مقدار ما يتساوى الرجلان في تلك الخطة التي شرعها نابليون للناس، أو نقلها عن هانيبال للأجيال اللاحقة، عندما كان يعلم بقيام حلف ضده في وسط القارة أو في شرقها أو في غربها فلا ينتظر في قصر التويلري بل تجده مرتين تحت أسوار فينا ومرة أخرى في قصر فردريك العظيم ليأخذ ساعته الدقاقة إلى سنت هيلين من بعد باريس!. . . ومرة ثالثة تجده في موسكو. . . أمام الحريق، بل أمام اللانهاية، بل أمام باب الفشل. . . . .