كل إلى الموضع الذي لم يرضه من الترجمة والى ما يقابله. والذي لم يرضه في كل مثال هو في الغالب كلمة في جملة، وهذا يقرب مسافة الخلف بيننا وبينه إذ لو كانت الترجمة حرفية بالمعنى الذي يزعم لكانت الجملة كلها محل اعتراض لا كلمة واحدة منها أو كلمتان فإذا رجعنا إلى الكلمة أو التعبير الذي أعترض عليه لم نجد لهذا الاعتراض محلا. فالجمل العربية في جميع الأحوال إلا لشخص لا يعرف معنى مثل (يزج بها) و (شك غير جزاف). ولم يدر بخلد المترجم ولا المراجع أن في أي هذين التعبيرين ما يستغلق على أحد اللهم إلا على تلميذ يكون من صالحه عندئذ أن يكشف أو يسأل عما استغلق عليه. ثم الجمل العربية في جميع الأحوال ليست ترجمة للأصل حرفا بحرف بل فيها من التصرف قدر بسيط ينجيها من الحرفية المكروهة من غير أن يحرمها من الدقة.
على أن يحسن بنا أن ننبه هنا إلى أن الحرفية في الترجمة ليست دائما مكروهة وإنما تكره عندما يختلف الذوق في اللغتين. فإذا اتفق الذوقان كما يحدث في مواطن غير قليلة لم تكن الحرفية شيئا مكروها بل كانت مستحبة أو واجبة لأنها عندئذ تكون أسهل وأدق وأرضى للضمير الذي يطالب بالأمانة المطلقة في الترجمة كما يطالب بالأمانة المطلقة في النقل. فليس بعيب على مترجم أن يلتزم الأصل حتى في التراكيب ما دام مثل هذا الالتزام لا يؤدي في الترجمة إلى ما يأباه ذوق اللغة المنقول إليها أو يخالف معنى الأصل المنقول عنه. وليس في الأمثلة التي جاء بها الأستاذ سماحة ما يمكن ان يدل على أن الترجمة التي نحن بصددها فيها ما يخالف الذوق العربي أو يفيد معنى لا يفيده الأصل الإنجليزي. حتى الجملة التي قال أنها مكررة في صفحة ٤٢ تكررا ليس في الأصل الإنجليزي معناها نفس معنى الجملة التي قبلها وإن اختلفت عنها كثيرا في اللفظ، فلو كان هذا التكرار مقصودا من المترجم لكان فيه ما يشهد بأنه يذهب إلى ما وراء الحرف بكثير إذا رأى ان توضيح المعنى يستدعي ذلك. لكن أكبر الظن أن الجملتين ترجمتان لجملة إنجليزية واحدة كان يراد اختيار واحدة منهما فحال دون ذلك سهو أو شبهة ثم لم يفطن إلى تكرار المعنى عند المراجعة لاختلاف التركيب من ناحية ولأن مثل هذا التكرار قد يلجأ اليه المؤلف لتوضيح أو لتوكيد.
وكون الأستاذ سماحة قد فطن إلى أن التكرار هنا غير موجود بالأصل يقظة منه محمودة