للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكان يترفع عن أن يستجدي بالشعر، وأن يعد من الشعراء السؤّال. ويرى نفسه نداً لممدوحيه. فهو ينظم لهم هذه القصائد المعجزة. يبتغي بها ودهم وإخاءهم لا نوالهم وعطاءهم:

ولولاك لم تخطر ببالي قصائد ... هوابط في غور طوالع من نجد

لحقت بها شأو المجيدين قبلها ... وهيهات أن يؤتى بأمثالها بعدي

فهن عذارى مهرها الود لا الندى ... وما كل من يعزى إلى الشعر يستجدي

ولم يكن يسلك سبيل شعراء المدح في الكذب والغلو والمبالغة. ولكن سبيله وصف ما يرى من صفات ممدوحيه وخلالهم وصفاً صادقاً، لا كذب فيه ولا إغراق:

وصدق قولي فيك أفعالك التي ... أبت لقريضي أن أوشحه كذباً

لا زلت تلقح آمالاً وتنتجها ... مواهباً يمتريها كل محروب

وتودع الدهر من شعر أحبره ... مدائحاً لم توشح بالأكاذيب

وكان عارفاً بقيمة شعره، مؤمناً بعلو منزلته وجلالة قدره، فهو يوجه إليه أنظار ممدوحيه ويدل به عليهم، ويمن على من يمدحهم بأن ملوك الأرض يتمنون أن يمدحوا به، ولكنه لا يتنازل إلى مدحهم، ولا يعرج عليهم، ولا يلتفت إليهم:

قليل إلى الري الذليل التفاته ... وان كثرت للواردين المناهل

فدونك مما ينظم الفكر شردا ... سلبن حصى المرجان كل نظام

تسير بشكر غائر الذكر منجد ... يناجي لسانَيْ معرق وشآمي

ويهوى ملوك الأرض أن يمدحوا بها ... وما كل سمع يرتضيه كلامي

وكم ماجد يبغي ثناء أصوغه ... ولكنني عن مدح غيرك أزورُّ

ويودع سيداً كبيراً فلا يجد ما يأسف عليه عند وداعه إلا هذا الشعر الذي يضيق به الحساد، و (تكبو دونه الشعراء) وتنشده الأيام، أن يضيع بعد رحيله ولا يبقى له أهل يخاطبون به

رحلت فالمجد لم ترقأ مدامعه ... ولم ترق علينا المزن أكبادا

وضاع شعر يضيق الحاسدون به ... ذرعاً وتوسعه الأيام إنشادا

فلم أهب بالقوافي بعد بينكم ... ولا حمدت وقد جربت أجوادا

وإذا أنت سألت الشاعر عن منزلته في الشعر لما تردد في القول بأنه فاق الشعراء وبذهم؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>