ولا يثنيه عنها رقة حاله، ورثاثة أطماره، فهو كالسيف القاطع البتار، لا يضره الغمد، وهمته كامنة في ضمير الدهر، ولا بد للضمير المستتر أن يظهر:
رأت أميمة أطماري وناظرها ... يعوم في الدمع منهلاً بوادره
وما درت أن في أثنائها رجلاً ... ترخى على الأسد الضاري غدائره
أغر في ملتقى أوداجه صيد ... حمر مناصله بيض عشائره
إن رث بردى فليس السيف محتفلاً ... بالغمد وهو وميض الغرب باتره
وهمتي في ضمير الدهر كامنة ... وسوف يظهر ما تخفى ضمائره
وكأنك تسأل بعد هذا كله، ألم يلق الشاعر شدة وعناء وهو يصرح بذكر الوثبة الأموية، ويدعو إليها علناً في ظلّ الحكم العباسي، ألم يتنكر له أولو الأمر، ويزوروا عنه ويناوئوه العداوة، ويبطشوا به؟ وها هوذا الشاعر يخبرك بأنه لقي أذى كثيراً، وشراً مستطيراً، فريع من غير أن يذنب، وجفى من غير أن يخون؛ ولكنه اعتصم بالصبر، ولاذ بالحزم، ولم يلن ولم يشك ولم ينهزم:
وقد طرقتني النائبات بحادث ... لو أن الصفا يرمي به لتصدعا
أراع ولم أذنب وأجفى ولم أخن ... وقد صدَّق الواشي فأخنى وأقذعا
ولست وإن عض الزمان بغاربي ... أطيل على الضراء مبكى ومجزعا
إذا ما أغام الخطب لم أحتفل به ... وضاجعت فيه الصبر حتى تقشعا
ولماذا يذل ويخضع، وهو إن ضاقت عنه بلدة فستتسع له أخرى، وحسب البلدة عاراً أن يرحل الشاعر عنها، وإن أدلت عليه بابل بسحرها الحرام، فهو يدل عليها بسحره الحلال، ويجعل من شعره حيثما حلّ بابل. . .
أبابل لا واديك بالرفد منعم ... لدينا ولا ناديك بالوفد آهل
لئن ضقت عنا فالبلاد فسيحة ... وحسبك عاراً أنني عنك راحل
وإن كنت بالسحر الحرام مدلة ... فعندي من السحر الحلال دلائل
قواف تعير الأعين النجل سحرها ... فكل مكان خيمت فيه بابل
وأي فتى ماضي العزيمة راعه ... ملوكك لاروّى رباعك وابل
وبعدُ. . . فاسمع الشاعر نفسه يصف لك شخصيته، ويخبرك أنه يمدح ويأخذ، ولكنه أعزّ