وتمر الأيام وهو لا يصل إلى شيء مما يؤمل، ويضيق بحالة الذل والمهانة، فيلوم نفسه على قعوده، ويعزم العزمة الفاصلة التي تكون فيها المنى والمنايا:
تقول ابنة السعدي وهي تلومني ... أمالك عن دار الهوان رحيل
فان عناء المستنيم إلى الأذى ... بحيث يذل الأكرمون طويل
وعندك محبوك السراة مطهم ... وفي الكف مطرور الشباة صقيل
فثب وثبة المنايا أو المنى ... فكل محبّ للحياة ذليل
وثبة أموية، ينال بها عزّ أجداده الأمويين ومجدهم. فليس العز إلا أن يغامر المرء. ويحمل نفسه على الخطة التي تبقي ذكره في الناس أبد الدهر، فأما أن يموت فيقال لله دره، وإما أن يكتب له الظفر:
ألم تعلما أني على الخطب إن عرا ... صبور إذا ما عاجز عيل صبره
فلا عزّ حتى يحمل المرء نفسه ... على خطة يبقى بها الدهر ذكره
ويغشى غماراً دونها جرع الردى ... فان هو أودى قيل: لله درّه
ولا بدّ لي من وثبة أموية ... بحيث العجاج الليل والسيف فجره
ولا يثنيه عن وثبته الأموية بعد المدى، ووعورة الطريق، وما يعتور السبيل إليها من أخطار وخطوب أهونها الموت، لأنه ألف حمل الخطوب، وتعود الصبر، وأعد للنائبات عزائم تروض إباء الدهر إذا شمس الدهر، ولم يحفل بالدنيا وهي غضة غريضة ولم يبال بها، أفيقبل عليها وهي جافة ذابلة، وهل تثنيه عن مرامه لذاذاتها؟
أسمعه حين يقول:
سل الدهر عني أي خطب أمارس ... وعن ضحكي في وجهه وهو عابس
سأحمل أعباء الخطوب فطالما ... تماشت على الأين الجمال القناعس
وأنتظر العقبى وإن بعد المدى ... وأرقب ضوء الفجر والليل دامس
وإني لأقري النائبات عزائما ... تروض إباء الدهر والدهر شامس
وأحقر دنيا تسترق لها الطلى ... مطامع لحظى دونها متشاوس
تجافيت عنها وهي خود غريرة ... فهل أبتغيها وهي شمطاء عانس
ولي مقلة وحشية لا تروقها ... نفائس تحويها نفوس خسائس