للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحرب لسبب ما هي عليه من ضعف في النظام. وكانت ألمانيا بوجه خاص تتوقع أن تنفض الأملاك المستقلة يدها من النزاع، وأن يندلع في الهند لهيب الثورة؛ وأن الأملاك الجديدة في أفريقية وغيرها من القارات سيحتاج الاحتفاظ بها إلى قوى كبيرة. لكن مجرى الحوادث بدد هذه الأوهام، وكان من أعظم مظاهر الحرب ما تجلى من روح الإخلاص الإجماعي الحماسي في كل جزء من أجزاء الإمبراطورية تقريباً، وما ضحت به هذه الأجزاء من أنفس وأموال تقدمت بها الشعوب في أطراف الأرض عن رضا وطيب خاطر، فقد جندت كندا وزيلندة الجديدة وأستراليا جميع رجالها تقريباً. ولما تمردت طوائف البوير المشاكسة في جنوب أفريقية أخمد البوير أنفسهم هذا التمرد على الفور، ثم بذل الشعبان اللذان تتكون منهما تلك البلاد جهداً عظيماً في الاستيلاء على المستعمرات الألمانية، وأرسلا كتائب من بلادهما إلى خنادق فرنسا. وفي الهند سكن الاضطراب السياسي الذي كان منتشرا قبل الحرب وأرسلت منها إلى فرنسا وفلسطين والعراق والصين جيوش لم ترسل الهند مثلها من قبل إلى ميادين القتال، ولاح أن الحرب ومحنها أثبتت صلاحية نظام الإمبراطورية الحر الطليق على الرغم من تراخيه وقلة تماسكه. لكن ضخامة هذه التضحيات بدل موقف الإمبراطورية بازاء مشاكل الدفاع والسياسة الخارجية، وأحدث في بناء هذه الإمبراطورية تطورات غاية في الأهمية، فلم يعد في الإمكان بعدئذ أن تعالج هذه الأمور وكأنها لا تعني الأجزاء النائية من الإمبراطورية، بل كان لا بد من استشارة ممثليها بوسيلة من الوسائل إذا أريد أن تبقى هذه قائمة

وفضلا عن ذلك فقد شعرت الهند، وكان لا بد أن تشعر، أنها بعد أن اضطلعت في الحرب بهذا العمل الخطير قد قويت حجتها في أن يؤخذ رأيها عن طريق الموظفين البريطانيين الذين يديرون دولاب حكومتها، وأن يعترف بأنها وحدة قائمة بذاتها، وأن تتمتع بما يتمتع به غيرها من أجزاء الإمبراطورية من حقوق الاستقلال الداخلي؛ وبذلك كانت الحرب سبباً في تقوية الحركة القومية في الهند وفي غيرها من أجزاء الإمبراطورية

(البقية في العدد القادم)

محمد بدران

<<  <  ج:
ص:  >  >>