تدرّع بالصبر وتابع أبحاثه الجميلة في تعليل لِمَ تأكل الخلايا الأفاقة في براغيث الماء تلك الخمائر التي دخلت إليها. إذن لأتى على كل أمرٍ جلل خطير. ولكن من ذا الذي يتحكم في أقدام البحاث وهي لا تسير دائما في الطرق السلطانية التي رصفها المنطق وعبّدها العقل السليم
في أيام بستور العظيمة، أيام كافح داء الحمرة وانتصر على داء الكلب، كان يعمل في خفاء شديد كأنه بعض القطارين الذين يقطرون السموم خُفية في أقباء احتجبت تحت الأرض عن أعين الناس، ولم يأذن لأحد أن يطلع على ما هو فيه إلا عونيه رو وشمبرلاند ورجلاً أو اثنين آخرين، وفي ذلك المعمل الرطب المعتم بشارع أُلم كان لا يلقى المتطفلين المتشوفين إلى علم ما يجري بمعمله إلا بالنهر والتجبيه، وطرد عن بابه حتى كل جميلة من الأوانس فاتنة. هذا بستور! أما متشنيكوف فله في ذلك حديث غير هذا الحديث
اختلف متشنيكوف في هذا كل الاختلاف عن بستور. كانت له لحية لها أثرها البالغ في رائيها، وجبين عريض يعلو عينين تنظران بحولٍ ظاهر وذكاء بين من وراء نظاراته، وشعر طال في قفاه حتى غطاه على حال تنبئك بأنه غارق في أفكاره فلا يكاد يصحو فيحس الحاجة إلى حلقه. وكان واسع العلم فلا تكاد تفوته فائتة. وكان يستطيع أن يفاكه ويسلي - وهذا محقق عنه ثابت - بألوف من طرائف علم الحياة وممتع خفاياه، فهو يحدثك بأنه رأى الخلايا الأفاقة الدوارة في جسم فرخ الضفدع تذهب إلى ذيله فتأكل منه حتى تأتي عليه فيصير الفرخ ضفدعا وهو يحدثك بأنه أشعل ناراً في دائرة حول عقرب ليثبت أن هذه الخلائق التعسة لا تقتل نفسها انتحاراً كما يقول الناس بلدغ نفسها حين لا تجد مخلصاً من النار، وهو يحدثك بهذه الفظائع بطريقة تجعلك ترى الخلايا الأفاقة تروح وتجيء تبتلع ذيل الضفدع بلا أسف ولا تبكيت، أو تسمع حسيس العقرب وقد عز عليها الخلاص وحلق بها الفناء
وكانت تسنح له أفكار رائقة في إجراء تجارب فيقوم عليها محاولاً إنفاذها بعزم قوي وتركز شديد، ولكنه كان يزيح العلم وينحّى التجريب إذا سنحت له السانحة بمدح متسرت وأُبَراته، أو خطر له الخاطر من بتهوفن فهزّه إلى صفير شيء من سنفوناته. وإنك لحَاسبه أحياناً يعلم عن جوته ودراماته، ويعلم عن عشقه ومعشوقاته، فوق الذي يعلمه عن