وتضاحك زملاؤه الخمسة من جهل صاحبهم بأحياء القاهرة وهم الذين يعرفونها حياً حياً. . وراودت النكتة اللفظية أحدهم عن نفسه فأطلقها:
- ستّي ولا ستّك. . ها ها!
وضحك الجميع حتى الشيخ عبد الباسط عن طيب خاطر
يعيش محمد بك الخربوطلي في منزل يضم فتياته الثلاث (صفية وحكمت وآمال) وكلهن جاوزن سن الزواج. ولما كان الأب فاجراً متهتكاً فقد نسج فتياته على منواله، لذلك وجدت كل واحدة منهن أصدقاء كثيرين ولكنها لم تجد زوجاً إلى اليوم
وكان محمد بك رجلاً في حدود الخمسين؛ وقد توفيت زوجته في حادث مؤلم، فراح ينسى الدنس الذي علق بشرفه بالإفراط في كل ما يستثير شهواته الخسيسة، ولم يكن في برنامجه أن يحتفل بتربية بناته بل تركهن في أيدي الظروف
في يوم من أيام الربيع الصافية، وقف الشيخ عبد الباسط ومعه زملاؤه الخمسة الذين تطوعوا بتعريفه منزل السيد، يصفق بيديه على باب المنزل، ويمسح العرق المتصبب من جبينه بطرف جبته الخضراء، على حين جلس زملاؤه فوق المقعد الخشبي الذي يجلس فوقه حارس الباب وهم يلهثون
وجاء البستاني العجوز وهو يبصق الشتائم والإهانات من فمه، فقد أزعجه هذا الذي يصفق دون أن يسكت، ثم سأله:
- ماذا تريد؟
قالها بلهجة حاكم متغطرس لخادم عنده. ولم يكن الشيخ عبد الباسط يتوقع هذه الخشونة، أمام زملائه على الأقل، فأخفى خجله في سعاله وسلم إلى البستاني خطاب والده إلى سعادة ألبك. . وعاد البستاني يقول له باللهجة الأولى:
- أدخل. . .
ثم ضرب البستاني الباب الحديدي وراءه بعنف وغضب. فدخل الشيخ عبد الباسط وقلبه يتراكض بين جنبيه؛ ثم اقتيد إلى حجرة بهره فيها أثاثها الفخم مما لم ير مثله إلا في الحوانيت التي قاده للفرجة عليها زملاؤه. فأدرك لفوره في أي طريق ينفق سيد القرية