للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمواله. .

وشهد في الحجرة وسادة ملقاة على الأرض فرام الجلوس فوقها، بيد أن الخادم الطيب أنهضه ليجلس على مقعد مريح. وهنا ابتسم الشيخ عبد الباسط على رغم أنفه. . ابتسم لأنه لم يكن يقدر على البكاء. . .

وبينما هو يجول ببصره فيما أثبت على الجدار من صور وما حشد في الحجرة من نفائس، إذا بصوت ناعم يصل إلى أذنيه، وإذا بفتاة هيفاء تدخل إلى الحجرة وهي تغني، فلما رأت الشيخ الجالس أمامها تظاهرت بالفزع وصاحت:

- بردون يا. . يا أستاذ! ثم واصلت الغناء. . .

وجاء الخادم يشرح للفتاة من يكون هذا الشيخ؟ إنه نجل وكيل والدها في ضيعته، وقد جاء إلى القاهرة ليطلب العلم فأرسله أبوه إلى سيده ليشمله برعايته. . .

وتلطفت الفتاة وصوبت بصرها إلى هذا المخلوق، فإذا هو شاب ممتلئ الجسم في لحية قصيرة كأنما صنعها بيديه. أما ذلك المخلوق فلم يكن يدري أحد ماذا يعتلج في ذهنه من الخواطر، وقد غمره الموقف الشاذ بفيض من البلاهة، ففغر فمه وبقي في صمته الجليل، وقد غض الطرف وذكر نصيحة والده له فلم يخالس الفتاة النظر سوى مرتين

وجاء السيد في جلباب حريري أزرق، فنهض الشيخ عبد الباسط وقبل يده ثلاث مرات كما يصنع مع شيخه في الدرس، ثم وقف صامتاً وقد أنساه الشيطان الكلمات الفخمة التي زورها ليلقي بها في هذا المقام

وقال السيد وهو يعبث بلفافة تبغ في أصابعه:

- كيف والدك؟. . . هل بعث معك مالاً؟. . كيف أنت؟. . اجلس. . هل تدخن؟. . .

وماتت الإجابة على هذه الأسئلة كلها فوق شفتي الشيخ عبد الباسط فلم ينطق وإن كان قد جلس على حافة المقعد ورقبته ممتدة ويده العابثة بلحيته ترتعش

وجاءت القهوة، فشرب نصف ما في الفنجانة، وضمخ بالنصف الآخر ثيابه من الدهشة والخوف. ومرت به الفتاة التي رآها حينذاك وهي تغني، فربكه مرآها واختل توازنه فوق حافة المقعد وهوى على الأرض؛ ومن ثم ضحك السيد والفتاة والخادم الواقف بقرب الباب. . . وضحك الشيخ عبد الباسط أيضاً!

<<  <  ج:
ص:  >  >>