وكثر تردد الشيخ عبد الباسط على منزل السيد، وفي المرات الأولى كان ظله ثقيلاً على نفوس أهل المنزل؛ فلما كشف عن سذاجته وألح في الزيارة استطابوا وجوده. وكان في كل يوم يكشف عن أسماء النفائس التي يراها في المنزل فيحفظها كما يحفظ ألفية ابن مالك؛ ولم يكن يبالي السخرية به والتهكم عليه، فان العبد وما ملكت يده لسيده؛ وكان يؤثر على الجميع الفتاة التي تغني، وكانت هي من جانبها تزيد في الإساءة إليه فيحسب أن يده تقبض على قلبها
ولم يعد الشيخ عبد الباسط يحتفل بدروسه، لا ولا بصلواته. أما زملاؤه فقد أنكروا عليه هذا الإهمال، وتوعدوه بالخزي في الدنيا والآخرة. غير أنه كان يتمثل في وجوههم شقوة البؤس، فلم يعبأ حتى بأن يدفع نصائحهم عنه بطرف أصبعه
وانقلب الشيخ عبد الباسط فجأة إلى متظرف يطالع الصحف ويغشى المقاهي ويتهكم بشيوخه الأعلام، حتى زجاجة العطر التي لمحها في أحد الحوانيت ظل يقتصد ثمنها واشتراها، والساعة والمنديل الحريري والحذاء اللامع. . . كان ذلك كله في سبيل أن يحوز رضاء تلك الفتاة اللعوب التي لا تعرف من الدنيا سوى الغناء
وكان الشيخ عبد الباسط يرى في منزل السيد كل مرة أصنافا من الشبان يفدون على الدار في أزياء خليعة، حاسري الرؤوس حليقي اللحى والشوارب، وكان يسأل الخدم عنهم واحداً فواحداً، ويعرف أنهم أصدقاء الأسرة فيسكت، ويكلفه سكوته هذا لعنة أولئك الشبان في سره وذلك أَضعف الإيمان
ولم يكن الشيخ عبد الباسط يجترئ على التفكير في هذه الدنيا العجيبة التي يضمها منزل السيد، وإن كان قد فكر مراراً في أنه أصبح مطلوبا ومرغوبا فيه
ألم يقل له محمد بك ذات يوم:
- حصلت البركة يا أستاذ!
كلمة لا يقولها السيد إلا لمن يحبه ويوده. ألم تصارحه الفتاة التي تغني ذات مساء بأن دمه خفيف. ثم ضربته بيدها على وجهه، وضرب الحبيب مثل أكل الزبيب!
ترى هل حان الوقت الذي يصارحهم فيه بما تضطرم به نفسه من رغبات!
وجاء ذلك الوقت فلم يفاجئ الشيخ عبد الباسط برغبته رب الأسرة، لأنه كان رغم كل شيء