يتهيب ويخجل. وكانت رغبته أن يتزوج بتلك الفتاة التي تغني دائما والتي لم يعرف اسمها بعد. وكثيرا ما تمثل هذا البدن الناعم البديع واستعاد ذكريات أمسه السعيد، فيسمعه زملاؤه في الغرفة يئن ويصرخ من هول ما يعتمل في صدره. . .
لم يقدر الفوارق الهائلة بينه وبينها، ولا راعى مركزه كطالب علم فقير، ولكنه أقنع نفسه بأن كل شيء يسوى بنفسه، والمصادفات قد تكون في بعض الأحايين سبباً في أن يرتفع المرء من الغرفة الحقيرة إلى القصر المنيف
وبعد تفكير طويل أودع الشيخ عبد الباسط سره الخطير لدى أحد الخدم في المنزل، فتضاحك الخادم وسكت، وكان في سكوته ما حمل الشيخ عبد الباسط على أن يتأول ويستولد عدم استحالة الوصول إلى مبتغاه
والظاهر أن الخادم أفضى إلى الفتيات بما قال الشيخ، ولا ريب أنهن تضاحكن وعبثن بالفتاة التي وقع عليها اختياره، ثم انقلب الموضوع إلى فكرة ضخمة. لذلك استقبل الشيخ عبد الباسط في اليوم التالي استقبالاً فخما، وكأنما كان يتوقع ذلك فراح يفرض وجوده في المجلس ويصعر خده للجالسين والجالسات. . .
واقترب يوم الزواج ولم يكلف الشيخ عبد الباسط أن يدفع شيئاً وزاد أهل المنزل في الحفاوة به والترحيب فكان الذي يشغله أنه يتزوج ووالده لا يعلم، ولكن ماذا يهم والفتاة جميلة ووالدها سيد القرية. .
وفي اليوم الموعود كان رب المنزل غائباً، ومن الإنصاف أن نقول إنه لا يعرف عن هذا الموضوع شيئاً؛ غير أن الشيخ عبد الباسط لم يكن يهمه ذلك، فقد آمن بأن الرجل يعلم دون شك ولم يفاتحه في الأمر حتى لا يسئ إلى ذات نفسه ويخجله
وأنيرت الدار وأقبل المدعوون، ولم يجرؤ الشيخ عبد الباسط على دعوة زملائه حتى لا يفسدوا عليه خياله، واكتفى بأن زاد في الأناقة وفي التجمل، وراح يحفظ قصائد الغزل كلها ليسكب بها في أذن عروسه الحسناء. .
وتم عقد الزواج على يد مأذون حليق اللحية والشارب وإن كان يرتدي جبة وعمامة، وكان هناك مغن يترنم بصوته والمدعوون من كل صنف يقصفون ويلهون. .
واقترح أحدهم على الشيخ عبد الباسط أن يشرب قدحاً قدمه إليه فلم يستسغ طعمه، ثم