للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان أكثر انتفاعا بها، والأمر في الشواطئ كالأمر في المراقص والمرايض، يهيمن على الحياة فيها روح رياضية عالية، تُغني كل إنسان بشأنه عن شأن غيره، فالراقص لا يفكر إلا في الرقص، والمرتاض لا يفكر إلا في الحركة والمستحم كذلك لا يفكر إلا في الأمواج والأشعة.

- ابدئي بالمثال قبل القاعدة يا آنسة. أين تجدين الروح الرياضية في هذه المرأة التي علت صدر هذا الرجل لتتعلم فوقه السباحة؟ وأينتجدين الروح الرياضية في هذين الجسمين الراقدين على الرمل يتلامسان بشهوة، ويتناجيان بنشوة، وقد انمحى من حولهما البحر والشاطئ والناس؟؟

أرى يا آنسة أن المرأة تسيء إلى نفسها بهذا التبذل (حتى من الجهة النسوية الخالصة) فإنها متى فقدت سحر المحجوب، وجاذبية المجهول، أصبحت كسائر الإناث من سائر الحيوان.

عفواً يا آنسة إذا اصطنعت في خطابك لهجة الأستاذية، فإنها لا تزال أقوى الصلات التي أمتُّ بها إليك.

ألا تلاحظين أننا في الجد نتطور ببطء موئس، وفي الهزل نتطور بسرعة جامحة؟! لقد كنا بالأمس نتجادل في السفور وها نحن أولاء اليوم نتجادل في العُري!!

أستودعك الله يا آنستي! وأسلم على أبيك وأخيك.

ثم أخذت طريقي على الشاطئ الشهوان وفي نفسي كلام حبسته! على أن من الظلم الموروث

أن الرجل يشارك المرأة في الذنب ثم يفردها بالعقوبة! فالأب يقود ابنته عارية إلى الشاطئ، والزوج يجلس مع زوجه عارية على المقصف؛ والأخ يتعرى مع أخته في الكشك والبحر، ثم يندلع لسان النقد على المرأة وحدها فيتهمها بخنق الفضيلة ويرميها بذبح الخلق!!

يا قوم، لقد فتشتم في الشواطئ كثيراً عن حياة المرأة، ففتشوا فيها ولو قليلاً عن نخوة الرجل!!

أحمد حسن الزيات. الإسكندرية

<<  <  ج:
ص:  >  >>