عارف بأحاديث الأسر، عالم بأحداث المجامع، خبير بألوان المطاعم، فعنده قصة كل زوجين، وخبر كل صديقين، وخصيصة كل صفحة من صحاف المائدة، فالقرع شفاء من كل داء، والرز نصيب الأرض من حقول السماء؛ وفي الكبد خروق لا تسدها إلا الملوخية، وفي الجسم عروق لا ينبضها إلا الكنافة
من عادة أمين أفندي أن يزورنا كما يزور غيرنا حينا بعد حين، فيمتعنا ساعة بأخباره وأسراره ونوادره، ثم ينصرف وتحت إبطه رزمة مما تكدس عندنا من المجلات المقروءة. دخل علينا أمس جاداً على غير عادته، وقوراً على خلاف طبعه؛ ولم يكد يلقي التحية حتى ألقى إلي في شيء من الزهو صحيفة مسطرة من ورق (العرائض) وفي رأسها بقلم الثلث: (إلى صاحب السعادة المحافظ)، وفي ذيلها بقلم الرقعة:(ابن الحاوي)، وقال:
كتاب مفتوح إلى سعادة المحافظ عن طريق الرسالة. أتنشره أم تطويه؟
فقلت له: وماذا تريد من سعادة المحافظ يا أمين أفندي؟
فقال: قرأت في الصحف انه ألغى (مصايف الأطفال)، فهزني الخبر، وملكتني شهوة الكلام، فكتبت إليه هذا الكتاب أريد منه أن يضيف نقطة من بحر كرمه إلى (مصايف)، فتصبح بفضله (مضايف)! والكتاب بين يديك فاقرأ
قرأت الكتاب في غمر من أحاسيس شتى تتلون تباعا بالإعجاب والإنكار، والحزن والضحك، والانفعال والتبلد؛ ثم قلت له: أنى اقبل كتابك موضوعا وارفضه شكلا، لأنك عرفت كيف تفكر، ولم تعرف كيف تعبر؛ ولغة الدواوين وأسلوب (العرائض) لا يدخلان من أبواب الرسالة؟
فقال وقد طغى في وجهه الدم، ونزا في رأسه الغضب، وانتشر على شفتيه شاربه الأزرق: كيف! لقد حفظت الكفراوي، ولزمت الشيخ عليش، وصحبت الشيخ رشيد، وجادلت الأستاذ وجدي، وقضيت في (التحرير) أربعين عاماً! أفتجابهني بعد ذلك بأنني لا اعرف كيف اكتب؟! فقلت له: هون عليك! سأكتب لك هذا الكتاب بلغة المجلات فإن أعجبك أمضيته. ثم شرعت اكتب:(صاحب السعادة محافظ القاهرة:
(يتقدم إليك بهذه الكلمة والد فقير كابد من نصب العيش وعنت البؤس وتربية الأولاد ما جعله مثلا صحيحا لآلام طبقته. انك ألغيت (مصايف الأطفال) فألغيت حقا كسبه الفقير من