للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مدى حين. وفي أواخر دولة الإسلام بالأندلس نجد امرأة نصرانية هي ثريا زوجة السلطان أبى الحسن النصري ملك غرناطة توجه شؤون الدولة طبق أهوائها وتثير بمساعيها ضرام الحرب الأهلية التي انتهت بسقوط غرناطة في أيدي النصارى. ويقدم إلينا التاريخ الأوروبي نماذج عديدة مدهشة من نساء يسيطرن على الدولة بطرق غير مباشرة، ونكتفي بأن نقدم من ذلك مثلين بارزين: أولهما مثل المركيزة دي بومبادور صاحبة لويس الخامس عشر ملك فرنسا، وقد حلت في البلاط مكان الملكة الحقيقية، وسيطرت مدى أعوام طويلة بنفوذها على شؤون القصر والدولة، تولي وتعزل، وتأمر وتنهي، وتؤثر في توجيه سياسة فرنسا الخارجية أعظم تأثير، وتقبض على مقاليد السلام والحرب. والمثل الثاني هو مثل البارونة بربارة فون كريدنر، وهي سيدة روسية غادرت حياة زوجية نكدة لتعتنق حياة الزهد والتصوف، وقصت علينا حياتها الأولى في كتاب عنوانه (فاليري)، وطافت أرجاء ألمانيا وسويسرا وهي تحض على الزهد واحتقار متاع هذه الحياة الدنيا، ثم ألقت بها المقادير إلى بلاط القيصر اسكندر الأول، فأثرت في نفسه تأثيراً عظيما واستولت على مشاعره وتفكيره؛ وكان يقضي معها كل يوم ساعات عديدة في الصلاة والشورى؛ وقد ظهر تأثير هذه المرأة الغريبة في عقد (المعاهدة المقدسة) الشهيرة، التي عقدها القيصر مع النمسا وبروسيا (سنة ١٨١٥) وغرضها الظاهر تنظيم العلائق الدولية طبقا للمبادئ المسيحية، وترويج المحبة الأخوية بين الشعوب، وغرضها الحقيقي مقاومة النزعات والحركات الحرة؛ وكان للبارونة فون كريدنر في الحث على عقدها أعظم أثر، كما إنها لبثت مدى حين توجه سياسة القيصر طبق آرائها ونصائحها

فهذه الأمثلة التاريخية العديدة توضح لنا إلى أي مدى استطاعت المرأة أن تغزو مواطن التأثير والنفوذ في الشؤون العامة بطرق ووسائل غير مباشرة؛ بيد أن هذا الفوز الذي يرجع دائماً إلى عوامل وظروف عرضية، لم يكن ثمرة أو تطور طبيعي؛ أما اليوم فإن المرأة تسير في ميدان النضال بخطوات حثيثة، وتحقق لنفسها بوسائلها وجهودها ظفرا بعد ظفر؛ وإذا كانت المرأة تتبوأ اليوم كراسي النيابة والوزارة، فذلك لأنها استطاعت أن تشق طريقها إلى تلك المناصب، وأن تدلل على أهليتها لتوليها، فهي إذن تسير في طريق طبيعي لا أثر فيه للطفرة أو العوامل العارضة التي رفعتها من قبل إلى مواطن نفوذ لم تكن تحلم

<<  <  ج:
ص:  >  >>