للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتشريع بعيدا عن تدخل المرأة أو إشرافها. وقد تمضي أجيال أخرى قبل أن تستطيع المرأة أن تغزو هذا الميدان غزوا حقيقياً، أو أن تساهم فيه مساهمة تذكر

وهذه ظاهرة تدعو إلى التأمل؛ فقد أتيح للمرأة، في كثير من العصور أن تتبوأ الملك وأن تقود الأمم، وأن تستأثر بتوجيه السياسة العليا، ولكنها تحرم في عصرنا، وهو عصر تقدمها وظفرها، من تبوء مناصب الحكم والمسؤولية. وبعبارة أخرى، فقد سبق فوز المرأة بالملوكية، فوزها بالوزارة أو ما يماثلها؛ بيد انه ليس من الصعب أن نفسر هذه الظاهرة التاريخية؛ ذلك أن فوز المرأة بالملوكية لم يكن راجعاً في عصر من العصور إلى مواهب ومزايا تؤهلها للاضطلاع بهذا المنصب الخطير، ولكنه كان يرجع دائماً إلى حقوق الأسرة وتطورات الحوادث؛ وقد كانت حقوق الأسرة في الملك تتشح في العصور القديمة والوسطى بنوع من الحق الإلهي، وفي ظل هذا الحق المزعوم الذي كانت تقدسه الشعوب في تلك العصور استطاعت المرأة أن تتبوأ الملك بالوراثة والتعيين لا بالأهلية والاستحقاق

وإذا كان من الإنصاف أن نقول إن المرأة استطاعت في ظل الملوكية أن تقوم أحياناً بمهام الملك والسياسة بقوة وبراعة، فانه يجب ألا ننسى أن وجودها في هذا المركز لم يكن عنوان فوزها الاجتماعي، ولم يكن نهاية في تطور النضال بينها وبين الرجل، وإنه لم يكن اكثر من ظاهرة تاريخية عرضية كما بينا

على أن المرأة لم تقف في توجيه العروش والسياسة عند هذا الموطن الذي ارتفعت إليه في ظل الأسرة والحق الإلهي، بل استطاعت في ظروف كثيرة أن تصل بقوة عزمها ونفوذها إلى التأثير المباشر في توجيه الدول والحكومات؛ ويقدم لنا التاريخ أمثلة طريفة جمة من هذا النوع البارع من النساء. ولم يخل التاريخ الإسلامي نفسه من أمثلة من هذا النوع؛ ففي تاريخ الأندلس نجد امرأة نصرانية بارعة هي صبح النافارية جارية الحكم المستنصر وأم ولده المؤيد، تسيطر بنفوذها على الحكم وعلى حكومة قرطبة زهاء عشرة أعوام، وتؤثر في سياسة القصر والدولة؛ فإذا توفي الحكم نراها تستأثر مدى حين بالوصاية على ولدها المؤيد وتوجه ناصية الشؤون ببراعة ودهاء حتى يسطع نجم المنصور بن أبى عامر (الحاجب المنصور) فيسلبها كل سلطة وكل نفوذ. وفي دولة بن عباد باشبيلية، نرى جارية أخري هي اعتماد الرميكية جارية المعتمد بن عباد وأم أولاده تسيطر على حكومة أشبيلية

<<  <  ج:
ص:  >  >>