هواناً نحن، فسيان أن تضحك لها وان تعبس، وللضحك إذن خير واحزم وأولى بالعاقل
وعلى ذكر الضحك أقول أنى اعجب لذات الثوب الأرجواني لماذا لا أراها تضحك أبداً؟؟ إن من تعاريف الإنسان أنه حيوان يضحك - أي يستطيع الضحك - ولكن هذه لم أرها تضحك إلا مرة واحدة، فعظم وقع ذلك في نفسي لندرته ولأنه كان فلتة مفردة، فوجهها كالقمر - سوى أن ماء الحياة والشباب والصحة يجري فيه - أعني إن تعبيره لا يتغير ولا يختلف ولا يتعدد، وقاتل الله البعد! وما يدريني؟؟ فلعلها تبتسم ولكني لبعدها لا أراها رؤيتها، ولست أذكر أني رأيت وميض عينيها، أو أن عذوبة نظرتها أو قوتها حركت قلبي، أو أن ابتسامتها الحلوة أو الساخرة أغرتني بالأمل أو الحزن. . ولكني على هذا سمعت صوتها. . نعم سمعته على الرغم مما يفصلنا من البعد. . وكانت الليلة مظلمة والحر شديدا، وكنت قاعدا في الشرفة والشجر على جانبي الطريق كأنه صور مرسومة من فرط الركود، فرأيتها تميل على جانب الشرفة؛ فنظرت فإذا جارتها في شرفتها وبينهما نحو مترين أو زيادة، وانطلقتا تتحدثان بصوت خفيض في أول الأمر، ولم اكن أرجو أن اسمعهما، ولا كنت آمل ذلك وإذا بالصوت يرتفع في الليل الساكن وإذا بصوت فتاتي يحمله إلي. . ماذا؟ لا ادري! فما كان هناك نسيم حتى أقول انه حمله. . ولكنه صافح أذني على كل حال، وقد شق علي أن أكون بحيث اسمع حديثهما، ولكني لم أكن أتسمع، وكان بيني وبينهما عشرون أو ثلاثون متراً - إذا حسبت الارتفاع - فإذا كانتا قد شاءتا أن تتكلما بصوت يسمعه الجيران فأظن إن هذا ليس ذنبي. ولولا الحر والركود الخانق لدخلت حجري وأويت إلى حيث لا يبلغني الصوت، وكنت ساعة تهدى إلى الصوت انظر إلى الطريق الخالي الموحش في هذا الليل الساكن - ولو شئت لقلت الراكد ولكني شاكرٌ - وكنت ربما رفعت عيني إلى النجوم الخفاقة اللمعان، وإذا بالصوت يقع في مسمعي فيكاد قلبي يقف. . . فلم يخالجني شك في أن هذا صوتها هي لا صوت الجارة. . ولا ادري من أين جاءني هذا اليقين؟! ويا له من صوت!!. رنان. . نافذ. . عميق الوقع. . فلو كنت تغنين لما كان أحلى ولا أسحر. . بل أنت كنت تغنين. . فما يرتفع الصوت بهذا الوضوح البلوري ولا يخفت - في غير عمود - إلى مثل الهمس، ويبريه الشجى أحياناً، ثم يعلو كأنه صيحة الحرية، ثم يضطرب ويتردد كأنه زفرة الأسى التي تتمرد على الكتمان - أقول ما يكون الصوت هكذا