للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلا في الغناء. . ولا ادري لماذا، ولكني لم أكد أسمع صوتك حتى خيل إلى أنى أسمع (أورفيوس) يناشد حبيبته ويدعوها إليه ويصيح (ماذا تراني اصنع بغير يوريديس؟). نعم. . كذلك بدا لي أن صوتك الذي هفا إلي على جناح النسيم الراكد. . صوتك الحافل بالأسى المكتوم والرغبة المكبوتة. ينادي. . . ويدعو. . ثم لم اعد أدري ماذا جرى لي ولا ماذا أصاب الدنيا حولي؟. وأحسست إن حياتي التف عليها صوتك كما تلف الحبال على أعضاد الأسير. . وكأنما تسرب وجودي في وجودك الغامض. . . وأطفئت الأنوار. . وازداد الليل حولي ظلاماً وصار السكون اعمق، وأنا واقف لا اشعر إلا بخفق هذا الصوت الملائكي في نفسي، وطلع النهار - نهار الناس - وأنا ماثل على حافة الشرفة انظر ولا أرى. . .

وقد صارت لي بعد تلك الليلة حياتان تتصارعان - أنا الذي كنت لو تصدقنني، اقضي أيامي ساكناً لا يكاد يسرني أو يسوءني شيء - أما الآن فإني أثب وأتنقل من الرغبة الجامحة إلى عقل الجاف الممحل. وأحس دمي الحار ينبض في عروقي - لا بل أراه - وقلبي يثب إلى حلقي وتتعلق أنفاسي وتكاد تحتبس، ثم تغمرني موجة من المرارة الأليمة. . ويسخر مني عقلي ويهزأ مما تخيلته من صيحة أورفيوس إذ يدعو إليه يوريديس. وما دعا إلا قلبي، وأين مني أورفيوس؟ وأين منك تلك التي لم اعرفها إلا من (جلوك)

وليت من يدري أين أنت الساعة؟؟ إن الليل ساج كليلتنا تلك، والدنيا ساكنة تنتظر أن تخرجي إليها في هالة من الحسن، وأنفاسي معلقة وأذني مرهفة لأسمع، ولي على هذه الشرفة ثلاث ساعات طويلات المدد، ولست أحس تعباً أو اشعر بقلق، فإني كالمجنون أو المخمور، وإني لأرسل إليك من صيحات القلب ما لا يسمعه سواك لو انك تصغين. . ثلاث ساعات وأنا أدعوك وأنت لا تجيبين. . كلا!! صوتك الملائكي لا يسمع مرة اخرى، ولا ينطلق في هذا الليل الساجي لينعشه ويحييه. وان نوافذ بيتك لمفتوحة، وان الحجرات لمضاءة، ولكنها ساكنة كأنها مهجورة، حتى ليفزعني النور الذي يخرج منها

لم أسمع صوتك بعد ذلك ولكني رأيت الوردة التي في يدك وكنت تنفضين عنها الطل أو الماء، ثم غبت بها واختفيت بعدها كأنما يكفي غذاء لروحي أن أرى معك وردة حمراء. . . كلا. . . لست أريد ورداً وإنما أريد أن اسمع ذلك الصوت وانعم به، وان اجتلي عينيك وأرى في صقالهما روحي، وأن أرى رجفة شفتيك وأنت تبادلينني الأعراب عما ضاق

<<  <  ج:
ص:  >  >>