للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يحبها بنات العرب

وكان بيت هذه الأسرة في أقصى النجع قد قام من أوبار الجمال، فيه فراش للوالد الشيخ وآخر بجانبه لزوجته جازية؛ أما سلمى فكان فراشها بمعزل عن والديها. وكان في ناحية من الخباء جرن كبير من الحديد يؤدي عمل الرحى، فيدقون فيه الشعير، وله يد كبيرة غليظة لا تقل زنتها عن نصف قنطار يعجز الرجل من أهل المدن أن يحركها إلا بكلتا يديه، ولكن سلمى كانت تدق بها حب الشعير كما يستعمل نساء المدن الهاون النحاسي سهولة واعتيادا بغير عناء أو مشقة، وكذلك كانت جازية أمها. والعجيب أن الشيخ الفاني كان يتناول ذلك القضيب بإحدى يديه كما يفعل بعصاه يحركه ويدق به، وكان عندهم عنزات لطاف يطلقونها بالنهار في أطراف المزارع، وتمشي الأم جازية تحرسها من بعيد فتجمع لها بعض الحشائش الجافة، فإذا مر بها رجل من أهل القرى أسبلت نقابها الأحمر وتوارت حتى ينصرف الرجل وما كانت تكف هي الأخرى عن الغزل طول يومها

ولم يبق بالخباء إلا الفتاة سلمى الكاعب اللعوب، تراها تغزل أحياناً وحيناً تطبخ الدشيش وتسقيه من لبن النوق، ثم تملأ منه القدر الكبيرة وتجلس بعد ذلك ترقب الطريق كأنها على موعد مع أحد الناس

وكان بإحدى القرى القريبة من النجع فتى من سادات الأسر الكريمة بصعيد مصر، مات أبوه عن ضيعة عامرة بالأنعام وأنواع الدواب، وبها أهراء حافلة بالغلال والأقطان، وأستقر الفتى حسان في ضيعة أبيه مجداً دائباً في الزرع والإنبات حريصاً على مرضاة الفلاحين، وقد اتخذ جناحاً من دار أبيه لسكناه مع أمه الأرمل المريضة، وكف عن حياة السرف وكثرة الإنفاق على الولائم والأضياف. وكانت له فرس شقراء من عتاق الخيل يركبها ويطوف بها بين المزارع في كل صباح باكر وكل عشى

مر يوماً بخباء رحاب فلمح سلمى تحلب عنزاتها عند باب الحظيرة، فترنح الفتى على سرج فرسه من روعة حسنها وقوة فتنتها وجمال جيدها، والتقت عيناهما لمحة قصيرة ثم أرخت قناعها وولت على استحياء، واكثر حسان من الطواف بخدرها كل غداة، فكان يجدها منفردة عن أبويها، وشجعه على التحديق فيها صمتها وجلوسها كل يوم عند كثيب خلف الخباء كأنها ترقب حضوره

<<  <  ج:
ص:  >  >>