وخرج حسان يطوف المزارع كعادته في يوم شديد القيظ، فساقته فرسه إلى باب الخباء، فنادى أهل الدار يلتمس ماء أو جرعة من لبن الإبل يتعلل بها، وقابلته الأم عند الباب وقد أرخت قناعها الأحمر وسألته عن حاجته، فلما طلب قدحاً من اللبن نادت ابنتها سلمى، فجاءت تتعثر بأذيالها وهي حاسرة الوجه تبهر الناظر بحسنها وملاحة قدها، ومدت إليه يمينها بالقدح فترجل حسان لدى الباب وقد سنحت له الفرصة فرآها عن قرب ولمس كفها، وطالع في غرتها آية الحسن الذي لم ير مثيلاً له بين بنات القرى ولا في سائر البنادر التي زارها، وابتسمت سلمى من رؤية محبها وقد أذهلته الفتنة وشغفه حبها وملأت ناظريها منه، وكان فتى حسن الهيئة والثياب، ثم ارتدت إلى البيت وتوارت عن ناظريه
وأراد حسان ألا تضيع الفرصة، فسال الأم أن كان لديهم بعض من صغار الخراف ليشتريها ويحملها إلى المزرعة بين دوابه وأغنامه، فأنعمت الأم وغابت عنه قليلا، ثم عادت تسوق بين يديها حملين صغيرين، وجاءت على أعقابها سلمى تسوق حملين آخرين وساومهما حسان ونقدهما ثمناً معجلاً في الخراف الأربعة، ثم بدت له مشكلة حمل الخراف إلى قريته، فهونت عليه جازية الأمر وساقت بين يديها الخراف تساعدها سلمى ومشى حسان بين المرأتين يحدثهما طول الطريق ويختلس النظر إلى سلمى التي ما كانت تضن عليه بعطفها وابتسامها، وبلغوا المزرعة فادخل الخراف في الحظيرة ثم قدم لجازية وسلمى طعاماً شهياً من موائد أهل المدن بين دجاج وشرائح من لحم مشوي وخضر مطبوخة، وصحفة كبيرة من الحلوى بهر بها أبصار ضيوفه، ثم حمل إليهما النقل والفاكهة ولم يدع مزيداً من واسع الكرم وطرائف النعم
وخلا حسان بفاتنته سلمى في ساعة شغلت فيها جازية بالحديث مع أمه العجوز المريضة بأعلى حجرات الدار، واشتفى المحبان في خلوتهما، وخطبها حسان لنفسه وحمل إليها من خزانته صرة من الحرير الأبيض فيها مائة جنيه من الذهب صداقا معجلا ليستحل بذلك عناقها، ولكن سلمى نأت بجانبها أسى وأسفاً، وأطلعته على همها الدفين، فإن أباها قد عقد العزم على تزويجها من ابن أخيه وهو كهل من قبيلتها، له زوجتان وبنون وبنات، وهو فوق ذلك قد جاوز سن الشباب، فظ غليظ القلب، رقيق الحال، ومن اجل ذلك كله قد تنكد عيشها، لان أباها وأخاها (دياب) كلاهما ملح في تزويجها من ذلك الرجل البغيض، وقد