انذراها بالموت إن هي ترددت في القبول والرضى، وبكت سلمى وغمرت وجهها في صدر محبها، وضمها حسان وقال لها أني اشهد الله انك ستكونين أهلي وهذا صداقك بين يديك، وليقض الله فينا بمشيئته، واستسلمت له الفتاة وتعاهدا أن يدعو في الصباح مأذون القرية ومعه شاهدان ليعقد عليها بغير علم من أبيها أو أمها
وما اشرق الصبح حتى هبط حسان إلى فرسه فامتطاها وانطلق بين أنفاس الربى يطير بجناحي شوق
وانقضت اشهر والحبيبان يلتقيان بالخباء في غفلة من رحاب وزوجه، وكثر سروح سلمى تمشي إلى زوجها في دجى الليل بعد أن ينام أبواها حتى ظهر الحمل وتحرك الجنين ولم يبق على الوضع إلا بقية من الشهر الأخير، فرفع رحاب حاجبيه يوما بكلتا يديه وظهر له ما كان مستورا عنه من أمر سلمى؛ فناداها: أنى لك هذا وما كنت بغياً؟ وطار شرر الغضب والوعيد من مقلة الشيخ، ففرت زوجته جازية بين الربى والاكام، واستسلمت الفتاة المسكينة، فقال أبوها خبريني عن هذا الذي في أحشائك من أبوه، فقالت معاذ الله ما أثمت والله يا أبت، ولكن بكتاب الله وسنة نبيه، فقال هذا غاية ما بلغ به فجورك، إن اليوم هو آخر أيامك من الدنيا، فمن شريكك في الإثم؟ من هو الذي انتهك حرمتي وفضح ربة الخباء؟ لعله الفتى الذي يجوب الربى بفرسه الشقراء كل يوم! لقد أغدق عليك من خيره يوم ابتاع منك الخراف. فصاحت سلمى باكية وقالت: بل هو سيد كريم قد مهرني مائة جنيه من خالص الذهب وأغدق علي ألواناً من الثياب والعقود والجوهر الكريم، ودخلت الخباء ثم عادت تحمل بيدها صرة من الحرير الأبيض بها صداقها وقالت هذا هو المهر الذي استحل به عناقي، فصاح بها أبوها سارد إليه هذا الذهب وأنال به مهرا أغلى واشد خطراً يجري من دمه فأغسل به باب هذا الخدر. فصاحت سلمى: يا أبت إنني وحدي الأثيمة فاقتص مني دونه ودعه بالله وشأنه فانه الوحيد المرجي لأمه المسكينة. لقد مات أبوه رميا بالرصاص في ظروف محزنة، ولم يبق من أسرته إلا هو. دعه يا أبت يعش ويستوف نصيباً من نعمة الدنيا، فصاح بها أبوها أن احملي إلي قضيب الجرن، فنكست رأسها وجرت مدامعها وقد لاح لها ملك الموت، وأضجعها أبوها فاستكانت له، فهوى بالقضيب يقصم ظهرها ويفري حشاها صدعا شديدا وضربا لا رحمة فيه ولا هوادة،