أن بعض قوانين تسن لمعاقبة بعض أنواع الإجرام فتكون سببا لكثرة الإجرام، ثم ترفع فيقل الإجرام، لأن وجود القوانين كان موعزا بارتكابها، ولعل أنواعا من الآثام زادت بكثرة الكلام فيها من جهلة الوعاظ ممن لم يحسنوا دراسة النفوس وقوانينها. إذا سقط الفتى فأريته أن سقطته قابلة للعلاج، وأخذت بيده لانتشاله، كفّر عن سقطته وعاد إلى حاله، وإن أنت أريته أن سقطته لا تغتفر، وأنه لم يصبح إنسانا استمر يسقط أبدا. وكثير من الساقطين والساقطات لو أحسوا في الناس استعدادا لقبولهم، وشعروا أنهم يفسحون لهم في صدورهم لعدلوا عن سقطتهم، ونهضوا من عثرتهم.
وبعد فليس الشرق، بدعا من الخلق، إن اعتز أحد بماض فليس أمجد من ماضيه، وإن كان لكل أمة غريبة محاسن ومساوِ فللشرق محاسنه ومساويه، وإن كانت مساوئ الغرب لم تمنعه من نهوضه فلم تمنع الشرق مساويه من نهوضه؟ ليس أعوق للشرق من هذا الصوت الكريه يصدر من دعاته فيبعث اليأس وينفث السم. أيها الدعاة: كسروا قيثارتكم هذه التي لا توقعإلا نغمة واحدة بغيضة، واستبدلوا بها قيثارة ذاتالحان صنعهاطَب بأدواء النفوس عليم، واكثروا من ألحان تبعث الأمل، وتدعو إلى العمل، وتزيد الحياة قوة، ولا تشهروا برذيلة إلا إذا أشدتم بفضيلة، ولا تسمعونا صوت المعاول، إلا إذا أريتمونا حجر البناء.