وفي الثامنة عشرة، نظم أولى غرر قصائده يطلب فيها تفسير حلم جميل (من كل مغرم دنف، برح به الحب، ولفح قلبه بارح الهوى. . .) وكانت قصيدة رائعة لفتت إلى الشاعر الشاد نظر كبير شعراء إيطاليا إذ ذاك جيدو كفالكانتي، فكانت عربون الصداقة بينهما، ورمز المحبة والوفاء
واشترك الشاعر الفتى في حملات حربية سخيفة، وحضر معركة كمبلدينو سنة ١٢٨٩. . . ثم انغمس في النضال الحزبي الذي كان يجرف فلورنسا وإيطاليا في ذلك العهد، وكان ناشباً بين حزبين قويين ما يلبث أحدهما أن ينتصر حتى تكون للآخر الكرة عليه؛ وكان دانتي في جانب الجلفيين. وحدث إن كان في بعثة سياسية لدى البابا حين انقض الجبليون - الحزب الآخر - على المدينة وانتزعوا مقاليد الحكم من الجلفيين، وقضوا على دانتي بالنفي المؤبد، وبالإعدام حرقاً إذا فكر في الرجوع إلى فلورنسا
وكانت بياتريس قد ماتت قبل ذلك، وكان الشاعر قد فقد صداقة جيدو كفالكانتي من جراء الحزازات الحزبية التي كثيراً ما قضت على روابط وأواصر وصداقات. . . وكان قد تزوج كذلك وإن لم يسْلُ بياتريس - التي كانت قد تزوجت من غيره - من الفتاة جمَّادوناتي التي كانت تنتمي إلى حزب الجبليين. . . فكانت حياته معها سلسلة متلاحقة من الآلام لدرجة إنها رفضت أن تلحق به من منفاه وحرمته بذلك حتى من النظر إلى أبنائه. . . ومن أجل ذلك لم يتورع دانتي من الإشادة بذكرى حبيبته بياتريس في كتابه (الحياة الجديدة) ومن الوعد في آخر هذا الكتاب بتأليف معجزته الخالدة (الكوميدية الإلهية) في تخليد ذكرى بياتريس. بل هو لم يتورع كذلك من أن يدس جمَّادوناتي في أشد دركات جحيمه في هذه الكوميدية. . . كما سيجيء ذكره
وقد طَوَّف دانتي في أنحاء إيطاليا، وذاق في منفاه مرارة العيش وشقوة التشرد، وجاب الرحب فزار باريس، ويقال إنه ارتحل إلى إنجلترا وألقى عصاه في أكسفورد. ولعل حظ الأدب من مرارة ذلك العيش، وشقوة ذاك التشرد كان عظيماً جداً، فقد قسم لدانتي أن يبر بوعده بتأليف الكوميدية إذ هو مشرد في الآفاق، طريد من فلورنسا، بعيد عن أحزابها، بنجوة من قلق السياسة واضطراب السياسيين. ففي سنة ١٣٠٠ ألف كتابه الجميل (الحياة