يمتاز العصر الذي نعيش فيه بأنهعصر نهضة فكرية تناولت الحياة العامة والخاصة للأفراد والجماعات ويمتاز هذا العصر أيضا بما استحدث فيه الباحثون من مناهج علمية لهاقيمتها وأثرها في كشف الحقيقة التي يقصد إليها كل باحث. على أن هذه النهضة مهماتكن عامة شاملة، وهذهالمناهج العلمية الحديثة مهما تكن دقيقةمنتجة، الا أننا لا نزال نرى أن في تاريخ الفكر الإسلامي ناحية خصبة ممتعة طريفة قد أعرض عنها الباحثون من الشرقيين إعراضاً هو أقرب مايكون إلى الإهمال الشنيع منه إلى أي شيء آخر. على حين ترى الباحثين من المستشرقين قد عنوا بهذه الناحية عناية خاصة فائقة. فكشفوا عن خباياها وأظهروا ما اشتملت عليه من فكر عميق وشعر رقيق. وأحسوا بماتثيره في نفوسهم هذهالآثار من متعة عقلية ولذة شعورية. هذه الناحية التي أهملها الشرقيون وعنى بهاالمستشرقون هي ناحية التصوف الإسلامي وما أنتج فيه من مؤلفات لها مكانتها الأبية، وقيمتها الفكرية بين ما أنتج العقل البشري عامة، والعقل الإسلامي خاصة.
وليس أدعى للأسف ولا أبعث على الحسرة من أنك إذا أردت أن تعرف شيئا عن تاريخ التصوف الإسلامي: نشأته وتطوره، وأن تلم إلماما كافيا بمن ظهر من متصوفة، من شعر ونثروإرشادات وإيماءات تلتمس هذا كله عند المستشرقين في لغاتهم الأوربية المختلفة. وتلتمس هذا كله بصفة خاصةعند ماسينيون في الفرنسية وعند نيكلسون في الإنجليزية. وأنت لاشك واجد عند هذين العالمين ما تطمع فيه من بحث منظم وأسلوب علمي دقيق، وتصوير جميل بديع لهذه الشخصيات الفذة العجيبة التي ظهرت إبان العصور المتعاقبة لتاريخ التصوف الإسلامي. وأنك حين تتصفح كتابامن كتب المستشرقين فليس من شك في أنك ستعجب بمهارتهم الفائقة في البحث وبمقدرتهم الغريبة على جمع الأخبار ولم شعث الآثار وتحقيقها على ضوء المنهج العلمي الحديث بحيث ينتهون من هذا كله إلى الحقيقة الثابتة التي لا يأتيها الشك من بين يديها ولا من خلفها. وليس من شك أيضاً في أنك ستقدر