ما بذل هؤلاء القوم من جهد، وما تحملوا من مشقة وألم في سبيل إخراج ما أخرجوا من أبحاث منظمة وأسفار قيمة. وليس أدل على عناية المستشرقين بالحضارة الإسلامية عامة وبالتصوف خاصة من أن أحدهم وهو العالم الكبير والباحث الجليل المسيو لويس ماسينيون قد قضى أعواما طوالا يجوب فيها البلادالإسلامية المختلفة باحثا عن نصوص صوفية لم يسبق نشرها، وقد وفق فيما قصد إليه توفيقاً عظيماكانت ثمرته هذا الكتاب القيم المسمى (مجموعة نصوص لميسبق نشرها تتعلق بالتصوف الإسلامي) ناهيك بان المسيو ماسينيون قد تعرض إلى بحث شخصية قوية جداً من شخصيات التصوف الإسلامي وأعني بها شخصية الحلاج. فكانت ثمرة بحثه هذا السفر الضخم حقاً، الخالد حقا، في تحليل شخصيةالحلاج ونفسيته، والإبانة عنمذهبه وعن رأي المدارس الإسلامية المختلفة فيه. وليس أدل على عناية المستشرقين أيضاً بهذه الناحية القيمة الممتعة من أنهم قد عمدوا إلى ما أنتج المتصوفة من مؤلفات فأوسعوها درساوتحليلا وما هي الا أن تناولوها بالترجمة إلى لغاتهم وشرحوها وعلقوا عليها. وما هي الا أن طبعوها وأذاعوها في الناس. وما هي الا أن قرأت هذه المؤلفات ونوقشت. وانتهى هذا كله إلى أن اختلف المستشرقون حول هذه الكتب فمنهم من تعصب لها ومنهم من تعصب عليهاومنهم من رأى فيها رأيا غير الذي يراه غيره. ومن هنا كثرت المؤلفات الأوربية في التصوف. على حين أنك إذا أردت أن تعثر على كتاب في العربية يعطيك صورة واضحة جلية لنشأة التصوف وتطوره في الإسلام فانك لن توفق إلى بغيتك، ذلك لأن الشباب المثقف عندنا قد ضاق صدره بكتب التصوف القديمة كما ضاق بغير كتب التصوف منالآثار الإسلامية وغير الإسلامية، فأنت إذا طلبت إلى شاب مصري مثقف أن يطالع كتابا عربيا قديما في التصوف فمن المؤكد أنه لا يكاد يقرأ منه صفحة أو صفحتين حتى تضيق نفسه، ويحرج صدره، ويستولي عليه الملل والسأم، فيلقي بالكتاب إلقاء على أن لا يعود إليه مرة أخرى. ولعل عذره في ذلك هو أن ما تكلفه قراءته وما تحمله مشقة مطالعته إنما هو كتاب مختلط مضطرب لم ترتب أبوابه. ثم هو ضخم طويل إن عرف أوله فقد لا يعرف آخره. وأكبر الظن أن شبابنا حين ينظر إلى الآثار الإسلامية هذه النظرة التي هي أقرب إلى الازدراء منها إلى أي شيء آخر، أقول أن شبابنا مسرف على نفسه وعلى الحضارة الإسلاميةمسيء إلى نفسه وإلى