للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحضارة الإسلامية. ولو قد تجمل بالصبر على ما يقرأ وتضرع بالثبات على ما يقرأ. واستعان بالفهم المستقيم لما يقرأ. لانتهى منه إلى ما يشبع رغبته ويرضى حاجته العقلية والشعورية. وإذن فما أجدر شبابنا المثقف أن يعمد إلى هذه النواحي المهملة من تراثنا المجيد فيتناولها بحثاً وتحليلاً، وتفسيراً وتأويلاً، بحيث يخضعها لمناهج البحث الحديث فهي كفيلة بأن تشعره بما في قراءته من لذة قوية ومتاع خصب.

وأحب أن أحدثك في سلسلة من الفصول عن التصوف الإسلامي. فأتناول في بعضها الحديث عن بعض المؤلفات التي أودعها أصحابها مسائل التصوف ونظرياته. وأتناول في بعضها الآخر تحليل بعض الشخصيات القوية التي ظهرت في تاريخ التصوف الإسلامي فكان لها أكبر خطر وأعظم أثر. وبهذا أكون قد قمت بجزء من الواجب على كل شاب مصري مثقف أن يقوم به نحو هذا التراث الإسلامي المجيد. وأحب بعد هذا كله أن أتناول في هذا الفصل كتابين عنى بهما المستشرقون فترجموها إلى لغاتهم، وذلك لأن هذين الكتابين يعدان من أهم الكتب التي تظهرنا على المسائل الصوفية، والإشارات الباطنية، وما ينسب إلى المتصوفة من أقوال في هذه الإشارات وهذه المسائل. هذان الكتابان أحدهما (كشف المحجوب) للهجويرى. والثاني (عوارف المعارف) للسهروردي.

- ٢ -

أما مؤلف (كشف المحجوب) فكان معاصراً للقشري الصوفي الفارسي الذي عاش بنيسابور وتوفي عام ٤٦٥ هـ (١٠٧٢ م) والذي يعرف بمؤلفه المشهور (الرسالة القشيرية) ولم تكن لكشف المحجوب هذه الروح النقدية المؤسسة على قواعد علمية راسخة، فهو كتاب من هذه الكتب التي يمتاز مؤلفوها بالقدرة على جمع المسائل الصوفية وأخبار المتصوفة، ووضعها في أقسام وأبواب. هذا فضلاً عن أن هذا الكتاب قلما يذكر فيه شيء عن تواريخ الأشخاص الذين يتحدث عنهم.

ولعل أكثر ما يذكر لك عن الشخص الذي يعرض له قولاً أو قولين من هذه الأقوال التي تنسب إليه. وانه ليكتفي بهذا القول أو بهذين القولين فيعمد إليهما بالشرح والتفسير ولكنه شرح غامض وتفسير مبهم. ومن الحق كل الحق ألاّ يثق الباحث المدقق ثقة تامة بكل ما ينسب إلى المتصوفة من أقوال وما ينسب حولهم من قصص كتلك التي يذكرها الهجويري

<<  <  ج:
ص:  >  >>