في كتابه. وإنما هو مضطر على العكس إلى أن يأخذ هذه الأخبار وهذه القصص وهذه الأقوال إلى البحث العلمي الصحيح فينكر بعضها حين يلزم الإنكار ويشك في بعضها الآخر حين يجب الشك. ويرجح طائفة منها إذا كانت هناك حاجة إلى الترجيح ويؤكد طائفة أخرى حين لا يجد الشك سبيلاً إلى ما يؤكد بحيث ينتهي من هذا كله إلى الحقيقة الثابتة الراسخة التي لا تقبل شكاً ولا تحتمل جدلاً. وإذا كنا نلمس في تضاعيف المؤلفات الصوفية أموراً من شأنها أن تحملنا على التفكير وتدعونا إلى الشك فلا بد لنا من أن نقف من هذه المؤلفات موقفاً إن لم يكن موقف المتشكك المرتاب، فلا أقل من أن يكون موقف المحقق المدقق الذي لا يبغي من وراء تحقيقه وتدقيقه الا وجه الحقيقة خالصاً صافياً لا تشوبه شائبة. ولعل الهجويري نفسه قد قدم لنا مثلاً لما من شأنه أن يحملنا على الشك في صحة بعض ما يذكر في كتب التصوف القديمة. فهو
حين يتحدث عن الخلوي يقول:(هو مترجم الأولياء المعروف ولكي يفسر المذاهب الصوفية الأساسية فقد نسب إلى شخصيات عديدة قصصاً ألفها هو. . .). ومهما يكن من شئ فتلك مسألة نتركها الآن لنعرض إلى تلخيص الكتاب الذي نحن بصدده.
يرجع الهجويري بداية التصوف إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلّم، كما يذكر تحت اسم (أهل الصفا) فريقاً من الصحابة الذين وقفوا حياتهم على التضحية وكانت معيشتهم أقرب إلى الإعراض عن الدنيا والزهد فيها، منها إلى الإقبال عليها والميل إليها. ولعل أشهر هؤلاء الصحابة رجلان: أحدهما بلال الحبشي والآخر سلمان الفارسي.
أما في الجيل الأول من التابعين فأقوى الشخصيات التي ظهرت وذكرها الهجويرى شخصية الحسن البصري. وليس ثمة شك فيما لهذه الشخصية من أثر قوي وخطر عظيم في تاريخ الحضارة الإسلامية. فأسم الحسن البصري يذكر على رأس دراسات إسلامية متعددة. فهو يذكر في دراسة القرآن والنحو وعلم الكلام وغير ذلك من فروع الثقافة الإسلامية المتنوعة.
ويذكر مؤلف (كشف المحجوب) بعد جيل الحسن البصري أربعة وستين صوفياً أخذ يعددهم حتى دنا من العصر الذي كان يعيش فيه. وانك تراه يذكر فيمن يذكر من هؤلاء المتصوفة أبا حنيفة وابن حنبل وداود الطائي. أما الصوفيون الحقيقيون، وبعبارة أدق (المتخصصون)