قلت: (تفعل ماذا؟)
قال: (أملأ الدنيا عدلاً كما ملأت جوْراً)
قلت: (بماذا؟)
قال: (بإدرار الأرزاق والثواب العاجل لمن أطاع وأتى، وضرب الأعناق لمن عصى وأبى)
فقلت له: (إن هذا أمر عظيم أخاف عليك منه أن يظهر) وعذلته على ذلك فقال بديهاً:
أبا عبد الإله معاذ إني ... خفي عنك في الهيجا مقامي
ذكرت جسيم مطَّلي وأنا ... نخاطر فيه بالمهج الجسام
أمثلي تأخذ النكبات منه ... ويجزع من ملاقاة الحمام
ولو برز الزمان إلى شخصاً ... لخضب شعر مفرقه حسامي
وما بلغت مشيئتها الليالي ... ولا سارت وفي يدها زمامي
إذا امتلأت عيون الخيل مني ... فويل في التيقظ والمنام
بهذه القوة والاطمئنان يتحمس المتنبي لنصرة دعوته ويحاول تمكينها من القلوب، فلنصغ إلى أبي العلاء المعري في رسالة الغفران يحدث عن معجزات نسبت إلى أبي الطيب،
قال:
(وحدثت أن أبا الطيب لما حصل في بني عدي وحاول أن يخرج فيهم قالوا له وقد تبينوا دعواه: (ههنا ناقة صعبة فان قدرت على ركوبها أقررنا أنك نبي مرسل. وأنه مضى إلى تلك الناقة وهي رائحة في الابل، فتحيل حتى وثب على ظهرها فنفرت ساعة، وتنكرت برهة، ثم سكن نفارها ومشت مشي المسمحة، وأنه ورد بها الحلة وهو راكب عليها، فعجبوا له كل العجب، وصار ذلك من دلائله عندهم
وحدث أيضاً أنه كان في ديوان اللاذقية، وأن بعض الكتاب انقلبت على يده سكين الأقلام فجرحته جرحاً مفرطاً، وان أبا الطيب تفل عليها من ريقه وشد عليها غير منتظر لوقته، وقال للمجروح: لا تحلها في يومك، وعد له أياماً وليالي، وأن ذلك الكاتب قبل منه، فبرئ الجرح، فصاروا يعتقدون في أبي الطيب أعظم اعتقاد ويقولون هو يحي الأموات
وحدث رجل كان أبو الطيب قد استخفى عنده في اللاذقية أو في غيرها من السواحل، أنه أراد الانتقال من موضع إلى موضع، فخرج بالليل ومعه ذلك الرجل، ولقيهما كلب ألح