للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سيصحب النصل مني مثل مضربه ... وينجلي خبري عن صمة الصمم

لقد تبصرت حتى لات مصطبر ... فالآن اقحم حتى لات مقتحم

لأتركن وجوه الخيل ساهمة ... والحرب أقوم من ساق على قدم

وما قولك فيمن سيغني الأرض بالدماء عن الأمطار:

تنسى البلاد بروق الجو بارقتي ... وتكتفي بالدم الجاري عن الديم

ويخاطب نفسه هذا الخطاب الناري، مشجعاً إياها، مهوناً عليها أمر الناس فيقول:

ردي حياض الردى يا نفس واتركي ... حياض خوف الردى للشاء والنعم

إن لم أذرك على الأرماح سائلة ... فلا دعيت إبن أم المجد والكرم

ثم انظر هذا الإنذار الشامل والوعيد الرهيب لأهل الأرض وملوك العجم والعرب:

ميعاد كل رقيق الشفرتين غداً ... ومن عصى من ملوك العرب والعجم

فان أجابوا فما قصدي بها لهم ... وإن تولوا فما أرضى لها بهم

هذه نفثة نفس جائشة تسلحت باليقين ورأت الخيال يلوح لها بقوة الحقيقة الواقعة، مؤمن بالفوز، واثقة من كفائتها وإضطلاعها بالأمور الجسام. وما أظن أبا الطيب حين قال هذه القصيدة كاذباً في نفسه، لا بل كان يحدث عنها أصدق الحديث، وإنما كان مخدوعاً ثائراً يريه شبابه الفائر ومواهبه المتقدة السراب ماء فذهب يصف ما تريه نفسه. وإلا فكيف تكون القصيدة أقوى ظهوراً منها فيما تلوت من شعره

تبعت أبا الطيب شراذم من عامة وأعراب، ثم نمى خبره إلى لؤلؤ أمير حمص من قبل الأخشيدية. وأنه يخشى أن يستفحل أمره (فخرج إليه لؤلؤ، فقاتله وأسره وشرد من كان معه من بني كلب وغيرهم من قبائل العرب. وحبسه في السجن دهراً طويلاً حتى كاد يتلف، فكانت حاله إلى الضراعة والاستكانة. وكانت هذه الضربة كافية في إعادة رشده إليه وفي يقظته من حلمه اللذيذ الذي نعم به زمناً يسيراً فاستفاقت تلك النفس التي كانت تهذي في حلمها وتقول:

إذا امتلأت عيون الخيل مني ... فويل في التيقظ والمنام

وتقول:

ميعاد كل رقيق الشفرتين غداً ... ومن عصى من ملوك العرب والعجم

<<  <  ج:
ص:  >  >>