ثم سئل لؤلؤ في أمره فاستتابه وكتب وثيقة وأشهد عليه فيها ببطلان ما ادعاه ورجوعه إلى الإسلام وأطلقه. وبهذا انطوت صحيفة من تاريخ أبي الطيب في صباه، على نزوة خلدها التاريخ على قلة ما يسجل للصبيان من نزوات
لم يفد أبو الطيب من مغامرته هذه إلا لقب (المتنبي) الذي لصق به على كره منه، فكان يستحي بعد توبته كل الاستحياء. ذكر عنه المعري أنه سئل عن حقيقة هذا اللقب:(هو من النبوة أي المرتفع من الأرض) ولما كان في بغداد قال له أحد الأكابر: (خبرني من أثق به أنك قلت إنك نبي؟) فقال أبو الطيب: (الذي قلته: أنا أحمد النبي)
قال أبو علي بن حامد:(كان المتنبي في مجلس سيف الدولة: إذا ذكر له قرآنه أنكره وجحده. وقال له ابن خالويه يوماً في مجلس سيف الدولة: (لولا أن أخي جاهل لما رضي أن يدعى بالمتنبي لأن معنى المتنبي كاذب، ومن رضي أن يدعى بالكذب فهو جاهل. فقال أبو الطيب: لست أرضى أن ادعى بذلك وإنما يدعوني به من يريد الغض مني، ولست أقدر على المنع)
ونقل صاحب طبقات الأدباء ص٣٧١ عن التنوخي قال: قال لي أبي: (أما أنا فسألته بالأهواز عن معنى المتنبي لأني أردت أن أسمع منه هل تنبأ أو لا؟ فجاوبني جواب مغالط وقال: (إن هذا شيء كان في الحداثة، فاستحييت أن استقصي عليه فأمسكت)
وزعم جماعة أن اللقب لصق به لتشبهه بالمسيح مرة، وبصالح مرة في أبياته التي مرت
وكيفما كان فان الذين عاشوا في زمن المتنبي وبعده مجمعون على ادعائه النبوة، وكان هو يجهد أن ينفي التهمة في حياته خجلاً وحياء. وليس بين الأمرين تناقض ولا داع إلى حيرة. وقد كان هذا اللقب على أبي الطيب من أشد ما كابد في حياته: فقد منعه كافور الولاية بسببه، ولما عوتب قال:(يا قوم، من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم ألا يدعى الملك مع كافور؟ فحسبكم) وكلما أراد عدو أو شاعر ايلام المتنبي هجاه ونبزه بهذا اللقب