وأحلى الهوى ما شك في الوصل ربه ... وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتقي
فقال: لعن الله أبا الطيب أوَ يشكّ الربّ؟
فقلت في الحال: ليس كما ظنّ صاحبك أيها الأمير، إنما أراد بالرب ههنا الصاحب، يقول: ألذ الهوى ما كان المحبُّ فيه من الوصال، وبلوغ الغرض والآمال، وعلى ريب، فهو في وقته كله على رجاء لما يؤمله، ونقاة لما يقع به، كما قال:
إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضى ... فأين حلاوات الرسائل والكتب
وأخذنا نضيف إلى ذلك من الأغراض، في طرفي الإبرام والانتقاض، ما حرّك منهم إلى جهتي دواعي الانتهاض، وأقبلوا يتعجبون مني، ويسألونني كم سنّي، ويستكشفونني عني، فبقرت لهم حديثي، وذكرت لهم نجيثي، وأعلمت الأمير بأن أبي معي فاستدعاه، وقمنا الثلاثة إلى مثواه، فخلع علينا خلعه، وأسبل علينا أدمُعه، وجاء كل خوان، بأفنان الألوان، ثم قال - بعد المبالغة في وصف ما نالهم من إكرامه - فانظر إلى هذا العلم الذي هو للجهل أقرب، مع تلك الصبابة اليسيرة من الأدب، كيف أنقذا من العطب. . .