الأندلس إما بدعوة من ملوكها للإفادة وبث العلم والفن والأدب كما كان الشأن مع أبي علي القالي إذ دعاه الحكم المستنصر ولي عهد الناصر، ومع زرياب الموسيقي العبقري إذ دعاه عبد الرحمن الأوسط، وإما للربح والاتجار كما كان من الرازي محمد بن موسى والد ابي بكر أحمد بن محمد الرازي كبير مؤرخي الأندلس، وإما للاستكشاف وحب الاستطلاع خدمة وللعلم من طريق والسياحات كما كان من مثل ابن حوقل، وإما للإقامة بالأندلس والاستمتاع بذلك الفردوس الإسلامي المفقود كما كان من كثير ممن نزحوا إلى الأندلس وأقاموا بها. . . (وبعد) فأنا في الحق لا نعلم أمة من الأمم كانت تعني بالعلم وتحصيله، وتعاني ما تعاني أراضيه في سبيله، عناية المسلمين الأولين. وكان ذلك منهم نزولاً على حكم دينهم وحضه على التعلم والتعليم وطلب العلم ولو بالصين. . . ولمناسبة السفر وصعوبته في العصور نورد هنا نبذة للمترجم له أوردها المقري، قال: (ولما ذكر القاضي أبو بكر ابن العربي في كتابه قانون التأويل ركوبه البحر في رحلته من أفريقيا قال: وقد سبق في علم الله تعالى أن يعظم علينا البحر بزَوْلِه، ويغرقنا في هوله، فخرجنا من البحر، خروج الميت من القبر، وأتهينا بعد خطب طويل إلى بيوت كعب بن سليم ونحن من السغب، على عطب، ومن العرى، في أقبح زي. . . تمجنا الأبصار، وتخذلنا الأنصار. فعطف أميرهم علينا فأوينا إليه فآوانا، وأطعمنا الله تعالى على يده وسقانا، وأكرم مثوانا وكسانا، بأمر حقير ضعيف، وفن من العلم طريف. وشرحه أنا لما وقفنا على بابه ألفيناه يدير أعواد الشاه، فِعْلَ السامدِ اللاّه، فدنوت منه في تلك الأطمار، وسمح لي بياذقته، إذ كنت من الصغر في حد يسمح فيه للأغمار، ووقفت بازائهم، أنظر إلى تصرفهم من ورائهم، إذ كان علق بنفسي بعض ذلك من بعض القرابة في خُلس البطالة، مع غلبة الصبوة والجهالة، فقلت للبياذقة: الأمير أعلم من صاحبه، فلمحوني شزراً وعظمت أعينهم بعد أن كنتُ نزراً، وتقدم إلي الأمير من نقل الكلام إليه، فاستدناني فدنوتُ منه، وسألني هل لي بما هم فيه بصر؟ فقلت: لي فيه بعض نظر، سيبدو لك ويظهر، حرّك تلك القطعة، ففعل، وعارضه صاحبه، فأمرته أن يحرك أخرى، وما زالت الحركات بينهم كذلك تترى، حتى هزمهم الأمير، وأنقطع التدبير، فقالوا: ما أنت بصغير وكان في أثناء تلك الحركات قد ترنم ابن عم الأمير منشداً: