وقد كانت مهمة هذه الجامعة الناشئة أول أمرها قاصرة على النقد العلمي، والنظر في مؤلفات السابقين، دون أن تكون مبتدعة أو مضيفة إلى الثورة العلمية. . وتعوزنا المعلومات عن عدد الطلاب المختلفين إلى حلقات الدرس في الجامعة، وعن نظام معيشتهم، وعن العلاقة بين هؤلاء الطلاب وبين أساتذتهم لنستشف من هذه العلاقة شيئاً عن الروح الجامعية في جامعة الإسكندرية
وفي هذا السبيل لم نصل إلى أكثر من أن عدداً من الطلاب الغرباء أم الإسكندرية طلباً للعلم، ولا بد أن يكون هذا العدد قد سكن المتحف أو سكن المدينة على مقربة من المتحف، حيث لم يكن لهم في المدينة غاية غير الدراسة
حقاً لقد كان بالمتحف أروقة، ولكن الشائع أنها كانت لسكن العلماء، ولكن حقيقة معينة تدعو إلى الاعتقاد بأن الطلاب عامة سواء أكانوا من الوطنيين أم الأجانب النازحين، كانوا يساكنون الأساتذة في تلك الأروقة، تلك هي التي يذكرها (مافي) في كتابه (الحياة والعقائد الإغريقية) ويقرر فيها أن نظام جامعة الإسكندرية كان كنظام (كلية الملكة) في اكسفورد في أول إنشائها، أشبه شيء بمدرسة داخلية يختلف فيها الطلاب إلى دروس يلقبها الأساتذة ثم ينصرفون في أوقات فراغهم إلى الاستذكار. وأقل ما يؤخذ من هذا أن الطلبة كانوا يعيشون مع أساتذتهم في بناء واحد، ومن شأن هذا أن يعطي مجالاً للتعاون العلمي بين الطلبة من ناحية وبين الطلبة وأساتذتهم من ناحية أخرى؛ ومن شأنه أيضاً أن يظهر الجامعة بمظهر لا يتفق مع سمو النظام الجامعي الذي يجب أن يكون أميز خصائصه البحث العلمي، وأخذ الطلاب به تدريجاً حتى تنمو فيه ملكته. وهذا ما فطنت إليه جامعة الإسكندرية، فنزلت عن النظام العتيق تدريجاً واشترك الطلبة في الأبحاث العلمية، وقاموا أحياناً بواجب الأساتذة تمريناً لهم على مزاولة التدريس الجامعي. ووقعت جامعات أوربا في العصور الوسطى - ولا سيما كلية الملكة في اكسفورد - في مثل ما وقعت فيه جامعة الإسكندرية من خطأ، ولكنها أدركت ما في هذا النظام من قصور؛ وجاءت كلية (أول سولز) في شكلها الأخير مصححة لهذا الخطأ في النظام الجامعي حيث يقوم (الرفقاء) بأبحاث علمية وأدبية بعد حصولهم من جامعة اكسفورد على درجاتهم العلمية